فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَ حَتَّىٰٓ إِذَا خَرَجُواْ مِنۡ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡ} (16)

{ ومنهم } أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام { من يستمع إليك } وهم المنافقون ، أفرد الضمير باعتبار لفظة { من } وجمع في قوله : { حتى إذا خرجوا من عندك } باعتبار معناها ، والمعنى أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين يوم الجمعة ، وحينئذ تكون هذه الآية مدنية ، بل وكذا ما بعدها من الآيات الآتية فتكون مستثناة من القول بأن السورة مكية ، والمعنى : حتى إذا خرجوا من عنده .

{ قالوا للذين أوتوا العلم } وهم علماء الصحابة ، وقيل : عبد الله بن عباس وقيل عبد الله بن مسعود : أبو الدرداء والأول أولى ، أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم على طريقة الاستهزاء : { ماذا } أي أي شيء { قال } أي النبي صلى الله عليه وسلم ، { آنفا ؟ } بالمد والقصر أي الساعة ، وبها فسره الزمخشري وقال : أنه ظرف حالي كالآن ، وقال ابن عطية والمفسرون : معناه الساعة الماضية القريبة منا ، وهذا تفسير بالمعنى ، والمعنى أنا لم نلتفت إلى قوله ولم نرجع إليه ، ومنه أمر أنف أي مستأنف ، وروضة أنف ، أي لم يرعها أحد ، وانتصابه على الظرفية أي وقتا مؤتنفا أو حال من الضمير في قال ، قال الزجاج : هو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته .

وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة قال ابن عباس : كنت فيمن يسأل ، وعنه قال : أنا منهم ، وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذا ذاك صبيا فإن النبي صلى الله عليه وسلم ، مات وهو في سن البلوغ ، فسؤال الناس له عن معاني القرآني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم {[1490]} ، ووصف الله سبحانه للمسؤولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ، ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله ، مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان .

وعن عكرمة قال : " كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس : ماذا قال آنفا فيقول كذا وكذا وكان ابن عباس أصغر القوم فأنزل الله الآية " . فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم ، وعن ابن بريده قال : هو ابن مسعود ، وعن ابن عباس قال : هو ابن مسعود والإشارة بقوله : { أولئك } إلى المذكورين من المنافقين ، وهو مبتدأ وخبره { الذين طبع الله على قلوبهم } أي بالكفر فلم يؤمنوا ، ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير .

{ واتبعوا أهواءهم } في الكفر والعناد ، ثم ذكر حال أضدادهم فقال : { والذين اهتدوا } إلى طريق الخير فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به { زادهم هدى } بالتوفيق ، وقيل : زادهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل : زادهم القرآن ، وقال الفراء : زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى ، وقيل : زادهم نزول الناسخ هدى ، وعلى كل تقدير فالمراد أنه زادهم إيمانا وعلما بصيرة في الدين ، قال ابن عباس في الآية : لما أنزل القرآن آمنوا به ، وكان هدى ، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى .


[1490]:وهو ترجمان هذه الأمة.