فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة محمد صلى الله عليه وسلم

وتسمى سورة القتال ، وسورة الذين كفروا

وهي ثمان أو تسع وثلاثون آية ، وقيل : هي أربعون آية ، والخلاف في قوله : { حتى تضع الحرب أوزارها } . وقوله : { لذة للشاربين } ، وهي مدنية قال الماوردي : في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا : إلا آية منها نزلت بعد حجة الوداع حين خرج من مكة ، وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزنا عليه ، فنزل قوله تعالى : { وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك } ، وهذا مبني على أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ، والمشهور أن المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها . ولو في مكة ، فعليه تكون هذه الآية مدنية وهذا كله مبني على هذا النقل الذي نقله الماوردي هنا ، ونقله القرطبي أيضا هنا .

والذي نقله الخازن والخطيب وغيرهما بل والقرطبي أنها نزلت لما خرج من مكة إلى الغار مهاجرا ، والنقل الثاني هو الصحيح لأنه هو الذي يناسبه التوعد بقوله : { وكأين من قرية } وأما على النقل الأول فلا يظهر هذا الوعيد لأنه في حجة الوداع فارقها مختارا بعدما صارت دار إسلام وأسلم جميع أهلها ، وبدئ فتحها في السنة الثامنة ، وقال الثعلبي : أنها مكية ، وحكاه ابن هبة الله عن الضحاك وسعيد بن جبير ، وهو غلط من القول فالسورة مدنية كما لا يخفى .

قال ابن عباس : نزلت سورة القتال بالمدينة وعن ابن الزبير نزلت بالمدينة سورة الذين كفروا .

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم في المغرب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أخرجه الطبراني في الأوسط .

{ الذين كفروا } هم كفار قريش كفروا بالله { وصدوا } أنفسهم وغيرهم { عن سبيل الله } وهو دين الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، كذا قال مجاهد والسدي وابن عباس ، وقال الضحاك : معنى سبيل الله بيت الله بمنع قاصديه ، وقيل : هم أهل الكتاب أو عام في كل من كفر وصد { أضل أعمالهم } أي أبطلها الله وأحبطها ، وجعلها ضائعة .

قال الضحاك : المعنى أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل الدائرة عليهم في كفرهم ، وقيل : أبطل ما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم الأخلاق من صلة الأرحام وفك الأساري ، وإطعام الطعام ، وعمارة المسجد الحرام وإجارة المستجير ، وقرى الأضياف ، ونحو ذلك ، وهذه- وإن كانت باطلة من أصلها- لكن المعنى أنه سبحانه حكم ببطلانها فلا يرون لها في الآخرة ثوابا ، ويجزون بها في الدنيا من فضله تعالى ، وقال ابن عباس : كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملا ، ولما ذكر سبحانه فريق الكافرين أتبعهم بذكر فريق المؤمنين فقال :

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد } ظاهر هذا العموم ، فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، ولا يمنع من ذلك خصوص سببها ، فقد قيل : إنها نزلت في الأنصار قاله ابن عباس ، وقيل : في ناس من قريش ، وقيل في مؤمني أهل الكتاب ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . العامة على بناء نزل للمفعول مشددا ، وقرئ مبنيا للفاعل ، وهو الله وقرئ أنزل بالهمزة ونزل ثلاثيا ، والمراد به القرآن ، وهذا من عطف الخاص على العام .