فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

{ فهل ينظرون } أي ما ينتظر كفار مكة { إلا الساعة } أي القيامة { أن تأتيهم } بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم { بغتة } أي فجأة ، وفي هذا وعيد للكفار شديد .

وعن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بادروا بالأعمال سبعا فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا ؛ أو مرضا مفسدا ، أو هرما مقعدا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر " {[1491]} أخرجه الترمذي وحسنه { فقد جاء أشراطها } تعليل لمفاجأتها أو لإتيانها من حيث هو ، أو هذا كالعلة للفعل باعتبار تعلقه بالبدل ، لأن ظهور أشراط الشيء موجب لانتظاره ، ومعنى أشراطها أماراتها وعلاماتها ، وكانوا قد قرأوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ، آخر الأنبياء فبعثته من أشراطها قاله الحسن والضحاك ، والأشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها ، وهو العلامة ، وقيل : المراد بأشراطها هنا أسبابها التي هي دون معظمها ، وقيل : أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان كذا قال الحسن ، وقال الكلبي : كثرة المال والتجارة ، وشهادة الزور ، وقطع الأرحام ، وقلة الكرام ، وكثرة اللئام ، قلت : كما يشاهد الآن في هذا الزمان والله المستعان .

قال ابن عباس في الآية : أول الساعات . وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما " من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعثت أنا والساعة كهاتين ، وأشار بالوسطى والسبابة " {[1492]} ، ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد ، وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها ، وما لم يكن قد وقع وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها ، وفي هذا الباب كتاب الإشاعة لأشراط الساعة ، وهو نفيس جدا .

{ فأنى لهم إذا جاءتهم ؟ } الساعة بغتة { ذكراهم } أي : فمن أين لهم التذكر والأتعاظ والتوبة والخلاص ، كقوله : { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ؟ } .


[1491]:رواه الترمذي.
[1492]:البخاري ومسلم.