فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (18)

قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً } أي : لا أحد أظلم منهم لأنفسهم ؛ لأنهم افتروا على الله كذباً بقولهم لأصنامهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وقولهم : الملائكة بنات الله ، وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره ، واللفظ وإن كان لا يقتضي إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري ، فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم . فالمعنى على هذا : لا أحد مثلهم في الظلم فضلاً عن أن يوجد من هو أظلم منهم ، والإشارة بقوله : أولئك إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ ، وهو مبتدأ ، وخبره يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم ، أو المراد بعرضهم : عرض أعمالهم { وَيَقُولُ الأشهاد هَؤُلاء الذين كَذَبُواْ على رَبّهِمْ } الأشهاد : هم الملائكة الحفظة ، وقيل : المرسلون . وقيل : الملائكة والمرسلون والعلماء الذين بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه ، وقيل جميع الخلائق . والمعنى : أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض : هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرّحوا بما كذبوا به ، كأنه كان أمراً معلوماً عند أهل ذلك الموقف . قوله : { أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين } هذا من تمام كلام الأشهاد أي : يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ويقولون : ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء ، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه ، قاله بعدما قال الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم . والأشهاد جمع شهيد ، ورجحه أبو عليّ بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله : { وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيداً } ، وقيل : هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب ، والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار ، والتقريع لهم على رؤوس الأشهاد .

/خ24