فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما أخلصه منه من المحن العظيمة ، وبما خوّله من الملك ، وعلمه من العلم ، تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع ، فقال : { رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك } «من » للتبعيض ، أي : بعض الملك ، لأنه لم يؤت كل الملك ، إنما أوتي ملكاً خاصاً ، وهو ملك مصر في زمن خاص { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحاديث } أي : بعضها ، لأنه لم يؤت جميع علم التأويل ، سواء أريد به مطلق العلم والفهم ، أو مجرد تأويل الرؤيا . وقيل : «من » للجنس ، كما في قوله : { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان } [ الحج : 30 ] . وقيل : زائدة أي : آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث { فَاطِرَ السماوات والأرض } منتصب على أنه صفة لربّ ، لكونه منادى مضافاً ، ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدّر ، أي : يا فاطر ، والفاطر : الخالق والمنشئ والمخترع والمبدع { أنت وليي } أي : ناصري ومتولي أموري { فِي الدنيا والآخرة } تتولاني فيهما { تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بالصالحين } أي : توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت ، وألحقني بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك . وقيل : إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عزّ وجلّ . وقيل : كان عمره عند أن ألقي في الجبّ سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم أبيه يعقوب عليه ، ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذي سيأتي وتوفاه الله . قيل : لم يتمنّ الموت أحد غير يوسف لا نبيّ ولا غيره . وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمنّ الموت بهذا الدعاء ، وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ، ويلحقه بالصالحين من عباده عند حضور أجله .

/خ101