قوله : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } يقال : همّ بالأمر : إذا قصده وعزم عليه . والمعنى : أنه همّ بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية ، ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختياراً كما يفيده ما تقدّم من استعاذته بالله ، وإن ذلك نوع من الظلم . ولما كان الأنبياء معصومين عن الهمّ بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف ، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال : كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن ، فلما أتيت على { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } قال : هذا على التقديم والتأخير : كأنه قال : ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها . وقال أحمد بن يحيى ثعلب : أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرّة ، وهمّ يوسف ولم يوقع ما همّ به ، فبين الهمين فرق ، ومن هذا قول الشاعر :
هممت بهم من ثنية لؤلؤ *** شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم ، وقيل همّ بها : أي همّ بضربها ، وقيل همّ بها بمعنى تمنى أن يتزوّجها . وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدّمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي ، ويدل على هذا ما سيأتي من قوله : { ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب } [ يوسف : 52 ] ، وقوله : { وَمَا أُبَرّىء نَفْسِي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسوء } [ يوسف : 53 ] ومجرد الهمّ لا ينافي العصمة ، فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية ، وذلك المطلوب ، وجواب «لو » في { لَوْلا أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } محذوف : أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما همّ به .
واختلف في هذا البرهان الذي رآه ما هو ؟ فقيل : إن زليخا قامت عند أن همت به وهمّ بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال : ما تصنعين ؟ قالت : أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة ، فقال يوسف : أنا أولى أن أستحي من الله تعالى . وقيل : إنه رأى في سقف البيت مكتوباً { وَلاَ تَقْرَبُوا الزنا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } الآية ؛ [ الإسراء : 32 ] . وقيل : رأى كفاً مكتوباً عليها { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين } [ الانفطار : 10 ] وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده ؛ وقيل : نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء ؟ وقيل : رأى صورة يعقوب على الجدار عاضاً على أنملته يتوعده ؛ وقيل غير ذلك مما يطول ذكره . والحاصل أنه رأى شيئاً حال بينه وبين ما همّ به . قوله : { كذلك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء والفحشاء } الكاف نعت مصدر محذوف ، والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله : { لَوْلا أَن رَأَى بُرْهَانَ رَبّهِ } أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك أي : مثل تلك الإراءة أريناه ، أو مثل ذلك التثبيت ثبتناه . { لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء } أي : كل ما يسوؤه ، والفحشاء كل أمر مفرط القبح . وقيل : السوء : الخيانة للعزيز في أهله ، والفحشاء : الزنا ؛ وقيل : السوء : الشهوة ، والفحشاء : المباشرة ؛ وقيل : السوء : الثناء القبيح . والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولاً أولياً ، وجملة { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين } تعليل لما قبله . قرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو «المخلصين » بكسر اللام . وقرأ الآخرون بفتحها . والمعنى على القراءة الأولى : أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله ، وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة ، وقد كان عليه السلام مخلصاً مستخلصاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.