فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (30)

يقال : ( نُسوة ) بضم النون ، وهي قراءة الأعمش ، والفضل وسليمان . ويقال : { نسوة } بكسر النون ، وهي قراءة الباقين ، والمراد جماعة من النساء ، ويجوز التذكير في الفعل المسند إليهنّ كما يجوز التأنيث . قيل : وهي امرأة ساقي العزيز وامرأة خبازه ، وامرأة صاحب دوابه ، وامرأة صاحب سجنه ، وامرأة حاجبه . والفتى في كلام العرب : الشاب ، والفتاة : الشابة ، والمراد به هنا : غلامها ، يقال : فتاي وفتاتي أي : غلامي وجاريتي ، وجملة { قَدْ شَغَفَهَا حُبّا } في محل رفع على أنها خبر ثانٍ للمبتدأ ، أو في محل نصب على الحال ، ومعنى { شغفها حباً } : غلبها حبه ، وقيل : دخل حبه في شغافها . قال أبو عبيدة : وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه . وقيل : هو وسط القلب ، وعلى هذا يكون المعنى : دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه ، وأنشد الأصمعي قول الراجز :

يتبعها وهي له شغاف *** . . .

وقرأ جعفر بن محمد ، وابن محيصن ، والحسن ( شعفها ) بالعين المهملة . قال ابن الأعرابي : معناه أجرى حبه عليها . وقرأ غيرهم بالمعجمة . قال الجوهري : شغفه الحبّ : أحرق قلبه . وقال أبو زيد : أمرضه . قال النحاس : معناه عند أكثر أهل اللغة : قد ذهب بها كل مذهب ، لأن شغاف الجبال : أعاليها ، وقد شغف بذلك شغفاً بإسكان الغين المعجمة : إذا ولع به ، وأنشد أبو عبيدة بيت امرئ القيس :

أتقتلني وقد شغفت فؤادها *** كما شغف المهنوة الرجل الطالي

قال : فشبهت لوعة الحب بذلك . وقرأ الحسن : ( قد شغفها ) بضم الغين . قال النحاس : وحكي قد شغفها بكسر الغين ، ولا يعرف ذلك في كلام العرب إلاّ شغفها بفتح الغين ؛ ويقال : إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التي لا ترى ، وهي الجلدة البيضاء ، فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد ، وجملة { إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضلال مُّبِينٍ } مقرّرة لمضمون ما قبلها . والمعنى : إنا لنراها ، أي : نعلمها في فعلها هذا ، وهو المراودة لفتاها في ضلال عن طريق الرشد والصواب مبين : واضح لا يلتبس على من نظر فيه .

/خ34