فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (15)

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } من عند يعقوب { وَأَجْمَعُوا } أمرهم { أَن يَجْعَلُوهُ فِى غَيَابَةِ الجب } قد تقدّم تفسير الغيابة والجب قريباً ، وجواب «لما » محذوف لظهوره ودلالة المقام عليه ، والتقدير : فعلوا به ما فعلوا ، وقيل : جوابه { قَالُواْ يا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ } وقيل : الجواب المقدّر جعلوه فيها . وقيل : الجواب : { أوحينا } والواو مقحمة ، ومثله قوله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وناديناه } [ الصافات : 103 - 104 ] أي : ناديناه { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ } أي : إلى يوسف تيسيراً له وتأنيساً لوحشته مع كونه صغيراً اجتمع على إنزال الضرر به عشرة رجال من إخوته ، بقلوب غليظة فقد نزعت عنها الرحمة وسلبت منها الرأفة ، فإن الطبع البشري ، - دع عنك الدين - يتجاوز عن ذنب الصغير ، ويغتفره لضعفه عن الدفع ، وعجزه عن أيسر شيء يراد منه ، فكيف بصغير لا ذنب له ، بل كيف بصغير هو أخ وله ولهم أب مثل يعقوب ، فلقد أبعد من قال إنهم كانوا أنبياء في ذلك الوقت ، فما هكذا عمل الأنبياء ولا فعل الصالحين ، وفي هذا دليل على أنه يجوز أن يوحي الله إلى من كان صغيراً ويعطيه النبوّة حينئذٍ ، كما وقع في عيسى ويحيى بن زكريا ، وقد قيل : إنه كان في ذلك الوقت قد بلغ مبالغ الرجال ، وهو بعيد جدّاً ، فإن من كان قد بلغ مبالغ الرجال لا يخاف عليه أن يأكله الذئب . { لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا } أي : لتخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا الذي فعلوه معك بعد خلوصك مما أرادوه بك من الكيد ، وأنزلوه عليك من الضرر ، وجملة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } في محل نصب على الحال ، أي : لا يشعرون بأنك أخوهم يوسف لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجبّ ، ولبعد عهدهم بك ، ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه وخلاف ما عهدوه منك ، وسيأتي ما قاله لهم عند دخولهم عليه بعد أن صار إليه ملك مصر .

/خ18