{ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } أي : قال يوسف ، والظان هو أيضاً يوسف . والمراد بالظنّ العلم ؛ لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي وهلاك الخباز ، هكذا قال جمهور المفسرين . [ وقيل ] : الظاهر على معناه ؛ لأن عابر الرؤيا إنما يظن ظناً ، والأوّل أولى وأنسب بحال الأنبياء . ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على شيء من علم الغيب كما في قوله : { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } الآية ، وجملة : { اذكرنى عِندَ رَبّكَ } هي مقول القول ، أمره بأن يذكره عند سيده ، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب ، وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرة عن ذهول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان ، فيكون ضمير المفعول في أنساه عائداً إلى يوسف ، هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه في قوله : { ذِكْرَ رَبّهِ } وهو الله سبحانه أي : إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال . { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا } يذكره عند سيده ليكون ذلك سبباً لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته . وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذي نجا من الغلامين : وهو الشرابي ، والمعنى : إنساء الشيطان الشرابي ذكر سيده ، أي : ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما أوصاه به يوسف من ذكره عند سيده ، ويكون المعنى : فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن ، ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك ، وقد رجح هذا بكون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء . وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف ، ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز ، والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلاّ فيما يخبرون به عن الله سبحانه ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون ، فإذا نسيت فذكروني ) ورجح أيضاً بأن النسيان ليس بذنب ، فلو كان الذي أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين ، وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك ، وأنه عوقب بسبب استعانته بغير الله سبحانه ، ويؤيد رجوع الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله : { فَلَبِثَ فِي السجن بِضْعَ سِنِينَ } ويؤيد رجوعه إلى الذي نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي : { وَقَالَ الذي نَجَا مِنْهُمَا وادّكر بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] سنة . { فَلَبِثَ } أي : يوسف { فِي السجن } بسبب ذلك القول الذي قاله للذي نجا من الغلامين ، أو بسبب ذلك الإنساء { بِضْعَ سِنِينَ } البضع : ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب . وحكي عن أبي عبيدة أن البضع : ما دون نصف العقد ، يعني : ما بين واحد إلى أربعة ؛ وقيل : ما بين ثلاث إلى سبع ، حكاه قطرب . وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس . وقد اختلف في تعيين قدر المدة التي لبث فيها يوسف في السجن ، فقيل : سبع سنين ، وقيل : ثنتا عشرة سنة . وقيل : أربع عشرة سنة ، وقيل : خمس سنين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.