فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِي وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ} (38)

{ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ } أي : ما نكتمه وما نظهره ، لأن الظاهر والمضمر بالنسبة إليه سبحانه سيان . قيل والمراد هنا بما نخفي ما يقابل ما نعلن ، فالمعنى : ما نظهره وما لا نظهره ، وقدّم ما نخفي على ما نعلن للدلالة على أنهما مستويان في علم الله سبحانه . وظاهر النظم القرآني عموم كل ما لا يظهر وما يظهر من غير تقييد بشيء معين من ذلك . وقيل : المراد ما يخفيه إبراهيم من وجده بإسماعيل وأمه ، حيث أسكنهما بوادٍ غير ذي زرع ، وما يعلنه من ذلك . وقيل : ما يخفيه إبراهيم من الوجد ويعلنه من البكاء والدعاء . والمجيء بضمير الجماعة يشعر بأن إبراهيم لم يرد نفسه فقط ، بل أراد جميع العباد ، فكأن المعنى : أن الله سبحانه يعلم بكل ما يظهره العباد وبكل ما لا يظهرونه . وأما قوله : { وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيء فَي الأرض وَلاَ فِي السماء } فقال جمهور المفسرين : هو من كلام الله سبحانه تصديقاً لما قاله إبراهيم من أنه سبحانه يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه ، فقال سبحانه { وما يخفى على الله شيء } من الأشياء الموجودة كائناً ما كان . وإنما ذكر السماوات والأرض لأنها المشاهدة للعباد ، وإلاّ فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو داخل في العالم ، وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية . قيل : ويحتمل أن يكون هذا من قول إبراهيم تحقيقاً لقوله الأوّل ، وتعميماً بعد التخصيص .

/خ41