فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ} (37)

ثم قال : { رَّبَّنَا إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي } قال الفراء : من للتبعيض ، أي : بعض ذرّيتي . وقال ابن الأنباري : إنها زائدة ، أي : أسكنت ذرّيتي ، والأوّل أولى ؛ لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } أي : لا زرع فيه ، وهو وادي مكة { عِندَ بَيْتِكَ المحرم } أي : الذي يحرم فيه ما يستباح في غيره ؛ وقيل : إنه محرّم على الجبابرة . وقيل : محرم من أن تنتهك حرمته ، أو يستخفّ به ، وقد تقدم في سورة المائدة ما يغني عن الإعادة ، ثم قال : { ربنا ليقيموا الصلاة } اللام متعلقة بأسكنت ، أي : أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه ، متوجهين إليه ، متبركين به ، وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها ، ولعلّ تكرير النداء لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة { فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ } الأفئدة جمع فؤاد ، وهو القلب ، عبر به عن جميع البدن ؛ لأنه أشرف عضو فيه . وقيل : هو جمع وفد والأصل أوفدة ، فقدّمت الفاء ، وقلبت الواو ياء ، فكأنه قال : وجعل وفوداً من الناس تهوي إليهم ، و«من » في { من الناس } للتبعيض . وقيل : زائدة ، ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ الناس ؛ لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم ، لا توجيهها إلى الحجّ ، ولو كان هذا مراداً لقال تهوي إليه ، وقيل : من للابتداء كقولك : القلب مني سقيم ، يريد قلبي ، ومعنى { تهوي إليهم } : تنزع إليهم ، يقال : هوى نحوه : إذا مال ، وهوت الناقة تهوي هوياً فهي هاوية : إذا عدت عدواً شديداً كأنها تهوي في بئر ، ويحتمل أن يكون المعنى : تجيء إليهم أو تسرع إليهم ، والمعنى : متقارب ، { وارزقهم مّنَ الثمرات } أي : أرزق ذريتي الذين أسكنتهم هنالك ، أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التي تنبت فيه ، أو تجلب إليه { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } نعمك التي أنعمت بها عليهم .

/خ41