فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلۡتُمُوهُۚ وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ} (34)

{ وَآتَاكُم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } قال الأخفش : أي أعطاكم من كل مسؤول سألتموه شيئاً ، فحذف شيئاً . وقيل : المعنى : وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه ، فحذفت الجملة الأخرى قاله ابن الأنباري . وقيل : " من " زائدة ، أي : آتاكم كل ما سألتموه . وقيل : للتبعيض ، أي : آتاكم بعض كل ما سألتموه . وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة " من كل " بتنوين كلّ ، وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون «ما » نافية ، أي : آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له ، ويجوز أن تكون موصولة أي : آتاكم من كل شيء الذي سألتموه { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا } أي وإن تتعرّضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالاً فضلاً عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه ، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال ، وأصل الإحصاء : أن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد ، وضع حصاة ليحفظه بها ، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه ، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ، ولا أمكنه أصلاً ، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه ، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها ، واختلاف أجناسها ، اللهم إنا نشكرك على كلّ نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلاّ أنت ، ومما علمناه شكراً لا يحيط به حصر ، ولا يحصره عد ، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان { إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ } لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه ، وظاهره شمول كل إنسان ، وقال الزجاج : إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال :

{ إِنَّ الإنسان لَفِي خُسْرٍ } [ العصر : 2 ] . { كَفَّارٌ } أي : شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها ، غير شاكر لله سبحانه عليها ، كما ينبغي ويجب عليه .

/خ34