فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (42)

قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . وهو تعريض لأمته ، فكأنه قال : ولا تحسب أمتك يا محمد ، ويجوز أن يكون خطاباً لكل من يصلح له من المكلفين ، وإن كان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم من غير تعريض لأمته ، فمعناه : التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله : { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } [ الأنعام : 14 ] ونحوه ؛ وقيل : المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ، ولكن معاملة الرقيب عليهم ، أو يكون المراد بالنهي عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم ، بل سنّة الله سبحانه في إمهال العصاة { إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار } أي : يؤخر جزاءهم ، ولا يؤاخذهم بظلمهم . وهذه الجملة تعليل للنهي السابق . وقرأ الحسن والسلمي وهو رواية عن أبي عمرو بالنون في «نؤخرهم » . وقرأ الباقون بالتحتية . واختارها أبو عبيد ، وأبو حاتم لقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله } ومعنى { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار } أي : ترفع فيه أبصار أهل الموقف ، ولا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم ، هكذا قال الفراء ، يقال : شخص الرجل بصره ، وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى ، والمراد : أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرّك من شدة الحيرة والدهشة .

/خ46