فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (95)

و«ما » في قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } موصولة ، والعائد محذوف ، أي بما قدّمته من الذنوب التي يكون فاعلها غير آمن من العذاب ، بل غير طامع في دخول الجنة ، فضلاً عن كونه قاطعاً بها ، فضلاً عن كونها خالصة له مختصة به ، وقيل إن الله سبحانه صرفهم عن التمني ؛ ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وسلم . والمراد بالتمني هنا هو اللفظ بما يدل عليه ، لا مجرد خطوره بالقلب ، وميل النفس إليه ، فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجة ، ومواطن الخصومة ، ومواقف التحدي . وفي تركهم للتمني أو صرفهم عنه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم قد كانوا يسلكون من التعجرف ، والتجرؤ على الله ، وعلى أنبيائه بالدعاوى الباطلة ، في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل ، فلم يتركوا عادتهم هنا إلا لما قد تقرّر عندهم من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت ، إما لأمر قد علموه ، أو للصرفة من الله عز وجل . وقد يقال : ثبت النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت ، فكيف أمره الله أن يأمرهم بما هو منهيّ عنه في شريعته . ويجاب بأن المراد هنا : إلزامهم الحجة ، وإقامة البرهان على بطلان دعواهم . وقوله : { والله عَلِيمٌ بالظالمين } تهديد لهم ، وتسجيل عليهم بأنهم كذلك .

/خ96