واللام في قوله : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ } جواب قسم محذوف ، وتنكير حياة للتحقير ، أي : أنهم أحرص الناس على أحقر حياة ، وأقلّ لبث في الدنيا ، فكيف بحياة كثيرة ، ولبث متطاول ؟ وقال في الكشاف : إنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة ، وهي : الحياة المتطاولة ، وتبعه في ذلك الرازي في تفسيره . وقوله : { وَمِنَ الذين أَشْرَكُوا } قيل : هو : كلام مستأنف ، والتقدير : ومن الذين أشركوا ناس { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } وقيل إنه معطوف على الناس أي : أحرص الناس ، وأحرص من الذين أشركوا ، وعلى هذا يكون قوله : { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ } راجعاً إلى اليهود بياناً لزيادة حرصهم على الحياة ، ووجه ذكر { الذين أشركوا } بعد ذكر { الناس } مع كونهم داخلين فيهم الدلالة على مزيد حرص المشركين من العرب ، ومن شابههم من غيرهم . فمن كان أحرص منهم ، وهم اليهود كان بالغاً في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها . وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحدّ الفاضل على حرص المشركين ؛ لأنهم يعلمون بما يحلّ بهم من العذاب في الآخرة ، بخلاف المشركين من العرب ، ونحوهم ، فإنهم لا يقرّون بذلك ، وكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود .
والأول ، وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب لكنه أرجح ؛ لعدم استلزامه للتكليف ، ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود . وقال الرازي : إن الثاني أرجح ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم ، وفي إظهار كذبهم في قولهم : إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا انتهى . ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحاً قد أفاده في قوله تعالى : { وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على الحياة } ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين ، أن لا يكونوا من جملة الناس ، وخص الألف بالذكر ؛ لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة . وأصل سنة : سنهة ، وقيل : سنوة . واختلف في الضمير في قوله : { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ } فقيل : هو : راجع إلى أحدهم ، والتقدير : وما أحدهم بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، وعلى هذا يكون قوله : { أَن يُعَمَّرَ } فاعلاً لمزحزحه . وقيل : هو لما دل عليه يعمر من مصدره ، أي : وما التعمير بمزحزحه ، ويكون قوله : { أن يعمر } بدلاً منه . وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : هو : عماد . وقيل : هو ضمير الشأن . وقيل : «ما » هي الحجازية ، والضمير اسمها ، وما بعده خبرها ، والأوّل أرجح ، وكذلك الثاني ، والثالث ضعيف جداً ؛ لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين ، ولهذا يسمونه ضمير الفصل ، والرابع فيه : أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جرّ كما حكاه ابن عطية عن النحاة . والزحزحة : التنحية ، يقال : زحزحته ، فتزحزح : أي نحيته فتنحى ، وتباعد ، ومنه قول ذي الرمة :
يا قَابِضَ الرُّوح عَنْ جِسْم عصىَ زَمناً *** وغافر الذنب زَحْزِحْني عَن النَّارِ
والبصير : العالم بالشيء الخبير به ، ومنه قولهم : فلان بصير بكذا : أي خبير به ، ومنه قول الشاعر :
فإِنْ تَسألُوني بِالنِّساءِ فَإننِي *** بَصيرٌ بأدْواءِ النِّساءِ طِبيبُ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.