لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف ، شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت بغير استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء ، فربما يؤدّي إلى أحد الأمرين المذكورين ، وأيضاً : إن الإنسان يكون في بيته ، ومكان خلوته على حالة قد لا يحبّ أن يراه عليها غيره ، فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية ، هي قوله : { حتى تَسْتَأْنِسُواْ } ، والاستئناس : الاستعلام ، والاستخبار أي : حتى تستعلموا من في البيت ، والمعنى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم ، وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم ، فإذا علمتم ذلك دخلتم ، ومنه قوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدا } [ النساء : 6 ] أي : علمتم . قال الخليل : الاستئناس الاستكشاف ، من أنس الشيء إذا أبصره كقوله : { إِنّي آنَسْتُ نَاراً } [ طه : 10 ] أي : أبصرت . وقال ابن جرير : إنه بمعنى : وتؤنسوا أنفسكم . قال ابن عطية : وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس . ومعنى كلام ابن جرير هذا : أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش ، لأن الذي يطرق باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ؟ فهو : كالمستوحش حتى يؤذن له ، فإذا أذن له استأنس ، فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل . وقيل : هو من الإنس ، وهو أن يتعرّف هل ثم إنسان أم لا ؟ وقيل : معنى الاستئناس : الاستئذان ، أي : لا تدخلوها حتى تستأذنوا . قال الواحدي : قال جماعة المفسرين : حتى تستأذنوا ، ويؤيده ما حكاه القرطبي عن ابن عباس ، وأبيّ ، وسعيد بن جبير : أنهم قرءوا { حتى تستأذنوا } قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب : الاستئناس فيما يرى ، والله أعلم الاستئذان ، وقوله : { وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا } قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي بأن يقول : «السلام عليكم أأدخل ؟ » مرّة ، أو ثلاثاً كما سيأتي .
واختلفوا هل يقدّم الاستئذان على السلام أو العكس ، فقيل : يقدّم الاستئذان ، فيقول : أدخل ؟ سلام عليكم ، لتقديم الاستئناس في الآية على السلام . وقال الأكثرون : إنه يقدّم السلام على الاستئذان فيقول : السلام عليكم ، أدخل ؟ ، وهو الحقّ ، لأن البيان منه صلى الله عليه وسلم للآية كان هكذا . وقيل : إن وقع بصره على إنسان قدّم السلام ، وإلاّ قدّم الاستئذان { ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ } الإشارة إلى الاستئناس والتسليم أي : دخولكم مع الاستئذان ، والسلام خير لكم من الدخول بغتة { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أن الاستئذان خير لكم ، وهذه الجملة متعلقة بمقدّر أي : أمرتم بالاستئذان ، والمراد بالتذكر الاتعاظ ، والعمل بما أمروا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.