فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا يَأۡتَلِ أُوْلُواْ ٱلۡفَضۡلِ مِنكُمۡ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤۡتُوٓاْ أُوْلِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} (22)

قوله { وَلاَ يَأْتَلِ } أي : يحلف ، وزنه : يفتعل من الألية ، وهي اليمين ، ومنه قول الشاعر :

تألّى ابن أوس حلفة ليردّني *** إلى نسوة كأنهن مفايد

وقول الآخر :

قليل الألايا حافظ ليمينه *** وإن بدرت منه الألية برّت

يقال : ائتلى يأتلى إذا حلف . ومنه قوله سبحانه : { لّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَائِهِمْ } [ البقرة : 226 ] وقالت فرقة : هو من ألوت في كذا إذا قصرت ، ومنه لم آل جهداً : أي : لم أقصر ، وكذا منه قوله : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } [ آل عمران : 118 ] . ومنه قول الشاعر :

وما المرء ما دامت حشاشة نفسه *** بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

والأوّل أولى بدليل سبب النزول ، وهو ما سيأتي ، والمراد بالفضل : الغنى والسعة في المال { أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله } أي : على أن لا يؤتوا . قال الزجاج : أن لا يؤتوا فحذف لا ، ومنه قول الشاعر :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا *** ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

وقال أبو عبيدة : لا حاجة إلى إضمار لا ، والمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف ، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى : لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم ، وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترفوه ، وقرأ أبو حيوة «إن تؤتوا » بتاء الخطاب على الالتفات . ثم علمهم سبحانه أدباً آخر ، فقال : { وَلْيَعْفُواْ } عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم ، وجنايتهم التي اقترفوها ، من عفا الربع : أي : درس ، والمراد محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع { وَلْيَصْفَحُواْ } بالإغضاء عن الجاني ، والإغماض عن جنايته ، وقرىء بالفوقية في الفعلين جميعاً . ثم ذكر سبحانه ترغيباً عظيماً لمن عفا وصفح ، فقال : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ } بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم ، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم ؟

/خ26