فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ وَكُفۡرِهِم بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَقَتۡلِهِمُ ٱلۡأَنۢبِيَآءَ بِغَيۡرِ حَقّٖ وَقَوۡلِهِمۡ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَلۡ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيۡهَا بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا} (155)

قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } ما مزيدة للتوكيد ، أو نكرة ، ونقضهم بدل منها ، والباء متعلقة بمحذوف ، والتقدير : فبنقضهم ميثاقهم لعناهم . وقال الكسائي : هو متعلق بما قبله والمعنى : فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم } قال : ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة بسببه بما بعده من نقضهم ميثاقهم ، وقتلهم الأنبياء وما بعده .

وأنكر ذلك ابن جرير الطبري وغيره ؛ لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى ، والذين قتلوا الأنبياء ، ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان ، فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برميهم بالبهتان . قال المهدوي وغيره : وهذا لا يلزم لأن يجوز أن يخبر عنهم ، والمراد آباؤهم ، وقال الزجاج : المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ؛ لأنه هذه القصة ممتدة إلى قوله : { فَبِظُلْمٍ منَ الذين هَادُوا حَرَّمْنَا } [ النساء : 160 ] ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقيل المعنى : فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم . وقيل المعنى : فبنقضهم لا يؤمنون إلا قليلاً ، والفاء في قوله : { فَلاَ يُؤْمِنُونَ } مقحمة .

قوله : { وَكُفْرِهِم بئايات الله } معطوف على ما قبله ، وكذا قوله : { وَقَتْلِهِمُ } ، والمراد بآيات الله كتبهم التي حرّفوها ، والمراد بالأنبياء الذين قتلوهم يحيى ، وزكرياء . وغلف جمع أغلف ، وهو المغطى بالغلاف ، أي : قلوبنا في أغطية ، فلا تفقه ما تقول : وقيل : إن غلف جمع غلاف ، والمعنى : أن قلوبهم أوعية للعلم ، فلا حاجة لهم إلى علم غير ما قد حوته قلوبهم ، وهو كقولهم : { قُلُوبَنَا في أَكِنَّةٍ } [ فصلت : 5 ] وغرضهم بهذا ردّ حجة الرسل . قوله : { بَلْ طبعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } هذه الجملة اعتراضية ، أي : ليس عدم قبولهم للحق بسبب كونها غلفاً بحسب مقصدهم الذي يريدونه ، بل بحسب الطبع من الله عليها . والطبع : الختم ، وقد تقدم إيضاح معناه في البقرة ، وقوله : { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : هي مطبوع عليها من الله بسبب كفرهم ، فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً ، أو إلا قليلاً منهم كعبد الله بن سلام ، ومن أسلم معه منهم .

/خ159