تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

المفردات :

لئن أشركت : على سبيل الفرض .

ليحبطن عملك : ليبطلن وليفسدن .

التفسير :

65- { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكوننّ من الخاسرين } .

يتفرد الله تعالى بالألوهية ، ويتصف كل ما سواه بالعبودية ، وقد أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى سائر الرسل بأن الشرك إذا استمر إلى الوفاة ، يترتب عليه إحباط الأعمال السابقة ، فإذا تاب المشرك مخلصا تاب الله عليه .

قال تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . ( البقرة : 217 ) .

والشرك لا يتوقع ولا ينتظر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا من إخوانه المرسلين ، فقد اصطفاهم الله واختارهم لهذه المهمة الجليلة ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، ولكن إذا صدر الشرك من المرسلين على سبيل الفرض أو الاحتمال ، لكان ذلك سببّا في إحباط العمل من المرسلين ، فمن باب أولى أن الشرك محبط العمل من سائر الخلق أجمعين .

قال تعالى : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } . ( الأنعام : 88 ) .

روى عن ابن عباس : أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزوجوه ما يشاء من النّساء ، ويعطوه ما يريد ، وقالوا : هذا لك يا محمد ، وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء ، قال : " حتى أنظر ما يأتيني من ربّي فنزل : { قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون } . إلى آخر السورة ونزل : { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } .

وعن ابن عباس أيضا : أن المشركين من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة آلهتهم ، وهم يعبدون معه إلهه ، فنزلت هذه الآيات .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

{ وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ } أي من الرسل عليهم السلام { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } أي بالله تعالى شيئاً ما { لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين } الظاهر أن جملة { لَئِنْ } الخ نائب فاعل { أوحى } لكن قيل في الكلام حذف والأصل أوحى إليك لئن أشرت ليحبطن عملك الخ ، وإلى الذين من قبلك مثل ذلك ، وقيل : لا حذف ، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلى الله عليه وسلم والمرسلين الموحي إليهم فإنه أوحى لكل { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } الخ بالإفراد ، وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل ، ففي «البحر » أن { إِلَيْكَ } حينئذ نائب الفاعل ، والمعنى كما قال مقاتل أوحى إليك وإلى الذين من قبلك بالتوحيد ، وقوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } الخ استئناف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وهو كما ترى ، وأياً ما كان فهو كلام على سبيل الفرض لتهييج المخاطب المعصوم وإقناط الكفرة والإيذان بغاية شناعة الإشراك وقبحه وكونه بحيث ينهى عنه من لا يكاد يباشره فكيف بمن عداه ، فالاستدلال بالآية على جواز صدور الكبائر من الأنبياء عليهم السلام كما في «المواقف » ليس بشيء ، فاحتمال الوقوع فرضاً كاف في الشرطية لكن ينبغي أن يعلم أن استحالة الوقوع شرعية ، ولاما { لَقَدِ . وَلَئِنِ } موطئتان للقسم واللامان بعد للجواب ، وفي عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الإشراك إلى الموت دليل للحنفية الذاهبين إلى أن الردة تحبط الأعمال التي قبلها مطلقاً . نعم قالوا : لا يقضي منها بعد الرجوع إلى الإسلام إلا الحج ، ومذهب الشافعي أن الردة لا تحبط العمل السابق عليها ما لم يستمر المرتد على الكفر إلى الموت ، وترك التقييد هنا اعتماداً على التصريح به في قوله تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم فِي الدنيا والآخرة وَأُوْلئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا } [ البقرة : 217 ] ويكون ذلك من حمل المطلق على المقيد .

وأجاب بعض الحنفية بأن في الآية المذكورة توزيعاً { فَأُوْلئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم } ناظر إلى الارتداد عن الدين { وَأُوْلئِكَ أصحاب النار } الخ ناظر إلى الموت على الكفر فلا مقيد ليحمل المطلق عليه ، ومن هذا الخلاف نشأ الخلاف في الصحابي إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أو قبلها ولم يره هل يقال له : صحابي أم لا ، فمن ذهب إلى الإطلاق قال لا ومن ذهب إلى التقييد قال : نعم ، وقيل : يجوز أن يكون الإحباط مطلقاً من خصائص النبي عليه الصلاة والسلام إذ شركه وحاشاه أقبح ، وفيه ضعف لأن الغرض تحذير أمته وتصوير فظاعة الكفر فتقدير أمر يختص به لا يتعدى من النبي إلى الأمة لا اتجاه له مع أنه لا مستند له من نقل أو عقل ، والمراد بالخسران على مذهب الحنفية ما لزم من حبط العمل فكان الظاهر فتكون إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل للاشعار بأن كلا من الاحباط والخسران يستقل في الزجر عن الاشراك ، وقيل : الخلود في النار فيلزم التقييد بالموت كما هو عند الشافعي عليه الرحمة .

وقرئ { لَيَحْبَطَنَّ } من أحبط { عَمَلُكَ } بالنصب أي ليحبطن الله تعالى أو الإشراك عملك ، وقرئ بالنون ونصب { عَمَلُكَ } أيضاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (65)

وذلك لأن الشرك باللّه محبط للأعمال ، مفسد للأحوال ، ولهذا قال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } من جميع الأنبياء . { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } هذا مفرد مضاف ، يعم كل عمل ، . ففي نبوة جميع الأنبياء ، أن الشرك محبط لجميع الأعمال ، كما قال تعالى في سورة الأنعام - لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم : { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } دينك وآخرتك ، فبالشرك تحبط الأعمال ، ويستحق العقاب والنكال .