نستنسخ : نستكتب الملائكة أعمالكم ، ونثبت ونحفظ .
29- { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } .
هذا كتاب أعمالكم يشهد عليكم بالعدل والصدق ، فقد كان الحفظة يكتبون أعمالكم ويسجلون حسناتكم وسيئاتكم ، وكلمة نستنسخ بمعنى نكتب ، وحقيقة النسخ : هو النقل من أصل إلى آخر .
قال ابن عباس : تكتب الملائكة أعمال العباد ، ثم تصعد بها إلى السماء ، فيقابل الملائكة الموكلون بديوان الأعمال ما كتبه الحفظة مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر ، مما كتبه الله في القدم على العباد قبل أن يخلقهم ، فلا يزيد حرفا ولا ينقص حرفا ، فذلك هو الاستنساخ ، وكان ابن عباس يقول : ألستم عربا ، وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل8 .
{ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } .
أي : نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم ، أي بكتابتها وتثبيتها ، وقيل : إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عز وجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ، ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب . اه .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { ووضع الكتاب وجاء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون } . ( الزمر : 69 ) .
وقوله عز شأنه : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا } . ( الكهف : 49 ) .
وقال علي رضي الله عنه : إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم .
وهذا يدل على أن الكتابة هنا رمز لطرق الإثبات والاستيثاق والحفظ وتسجيل الأعمال ، حتى ليفاجأ العبد بأن كل ما عمله مسجل محفوظ ، كما قال سبحانه : { أحصاه الله ونسوه . . . } ( المجادلة : 6 ) .
{ هذا كتابنا } إلى آخره من تمام ما يقال حينئذٍ ، والإشارة إلى الكتاب التي تدعي إليه الأمة المقول لها ذلك ، وهو إذا كان صحيفة الأعمال فإضافته إلى ضميره جل شأنه لأدنى ملابسة على التجوز في النسبة الإضافية فإنه تعالى الذي أمر الكتبة أن يكتبوا فيه أعمالهم ، وإن كان الكتاب المنزل على نبي تلك الأمة أو اللوح المحفوظ فأمر الإضافة ظاهر ، وضمير العظمة على سائر الأوجه لتفخيم شأن الكتاب ، وجوز أن يكون الضمير للكتبة والإضافة فيه حقيقية قيل : ويأباه { نَسْتَنسِخُ } إلا أن يجعل بمعنى ننسخ ونكتب وستعلم إن شاء الله تعالى ما فيه ، والأظهر عندي حمل الكتاب في الموضعين على صحيفة الأعمال واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر ، وقوله سبحانه : { يَنطِقُ عَلَيْكُم } أي يشهد عليكم { بالحق } من غير زيادة ولا نقص خبر آخر أو حال أو مستأنف ، و { بالحق } حال من فاعل { يَنطِقُ } وقوله تعالى : { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } إلى آخره تعليل لنطقه عليهم بأعمالهم من غير إخلال بشيء منها أي إنا كنا فيما قبل نستنسخ الملائكة أي نجعلها تنسخ وتكتب { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا من الأعمال حسنة كانت أو سيئة ، وحقيقة النسخ كتابة من أصل ينظر فيه فكان أفعال العباد هي الأصل على ما في «البحر » ، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : إن الله تعالى خلق النون وهي الدواة وخلق القلم فقال : اكتب قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر ورزق مقسوم حلال أو حرام ثم الزم كل شيء من ذلك بيانه دخوله في الدنيا متى ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظه وعلى الكتاب خزاناً فالحفظة يستنسخون كل يوم من الخوان عمل ذلك اليوم فإذا فني الرزق وانقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم فتقول الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً فترجع فيجدونه قد مات ثم قال ابن عباس ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة يقولون إن كنا نستنسخ ما كنتم تعملون وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟ وفي رواية ابن المنذر . وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن الآية فذكر نحو ما سمعت ثم قال : هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب ، وكون الاستنساخ من اللوح قد رواه جماعة عنه ، وما ذكرناه يصحح أن يكون هذا القول من الملائكة بدون تأويل { نَسْتَنسِخُ } بننسخ كما لا يخفى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.