الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } قال : هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } قال : هم الملائكة عليهم الصلاة والسلام يستنسخون أعمال بني آدم .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } فقال : إن أوّل ما خلق الله القلم ، ثم خلق النون وهي الدواة ، ثم خلق الألواح ، فكتب الدنيا وما يكون فيها حتى تفنى من خلق مخلوق ، وعمل معمول ، من بر أو فاجر ، وما كان من رزق حلال أو حرام ، وما كان من رطب ويابس ، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا حي وبقاؤه فيها كم وإلى كم تفنى ، ثم وكل بذلك الكتاب الملائكة ، ووكل بالخلق ملائكة ، فتأتي ملائكة الخلق إلى ملائكة ذلك الكتاب فيستنسخون ما يكون في كل يوم وليلة مقسوم على ما وكلوا به ثم يأتون إلى الناس فيحفظونهم بأمر الله ، ويسوقونهم إلى ما في أيديهم من تلك النسخ . فقام رجل فقال يا ابن عباس . ألستم قوماً عرباً { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب ؟

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله خلق النون وهو الدواة ، وخلق القلم فقال : اكتب . قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول بر أو فاجر أو رزق مقسوم حلال أو حرام ، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه : دخوله في الدنيا ، ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كيف ، ثم جعل على العباد حفظة وعلى الكتاب خزاناً تحفظه ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم ، فإذا فني ذلك الرزق انقطع الأمر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً ، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا . قال ابن عباس رضي الله عنهما : ألستم قوماً عربا تسمعون الحفظة يقولون { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟

وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إن لله ملائكة يتولون في كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أوّل شيء خلق الله القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين فكتب الدنيا وما يكون فيها من عمل معمول بر أو فاجر رطب أو يابس فأحصاه عنده في الذكر وقال اقرؤوا إن شئتم { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } فهل تكون النسخة إلا من شيء قد فرغ منه ؟ » .

وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } قال : هي أعمال أهل الدنيا الحسنات والسيئات تنزل من السماء كل غداة أو عشية ما يصيب الإِنسان في ذلك اليوم أو الليلة الذي يقتل ، والذي يغرق والذي يقع من فوق بيت ، والذي يتردى من فوق جبل ، والذي يقع في بئر ، والذي يحرق بالنار ، فيحفظون عليه ذلك كله . فإذا كان العشي صعدوا به إلى السماء فيجدونه كما في السماء مكتوباً في الذكر الحكيم .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : تستنسخ الحفظة من أم الكتاب ما يعمل بنو آدم ، فإنما يعمل الإِنسان على ما استنسخ الملك من أم الكتاب .

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كتب في الذكر عنده كل شيء هو كائن ، ثم بعث الحفظة على آدم عليه السلام وذريته ، فالحفظة ينسخون من الذكر ما يعمل العباد ، ثم قرأ { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } قال : إن الله وكل ملائكة ينسخون من ذلك العام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المستقبلة ، فيعارضون به حفظة الله على العباد عشية كل خميس فيجدون ما رفع الحفظة موافقاً لما في كتابهم ذلك ليس فيه زيادة ولا نقصان .