الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

ثم قال : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } أي يقال لهم{[62618]} في{[62619]} ذلك اليوم إذا عرضت عليهم أعمالهم في كتبهم التي أحصتها عليهم الحفظة : هذا كتابنا ينطق عليكم بما أسلفتم في الدنيا من الأعمال ، قد أحصته عليكم الحفظة ، فاقرؤوه{[62620]} .

{ إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } أي : كانت حفظتنا{[62621]} تكتب{[62622]} أعمالهم فتثبتها{[62623]} في الكتب عليكم .

وقال ابن عباس : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، ( هو أم ){[62624]} الكتاب فيه أعمال بني آدم{[62625]} .

وقوله : { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } قال{[62626]} هم الملائكة يستنسخون أعمال{[62627]} بني آدم من اللوح المحفوظ قبل أن يعملوها ، ثم يقابلون بذلك أعمال بني آدم فلا يزيدون شيئا ولا ينقصون شيئا قد كتب الله عز وجل ذلك قبل خلقهم وعلمه وقضاه{[62628]} .

قال ابن عباس : إن الله جل ذكره خلق النون{[62629]} – وهي الدواة – وخلق القلم فقال : اكتب قال : ما أكتب ، فقال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل{[62630]} معمول ، بر أو فجور ورزق{[62631]} مقسوم من حلال ( أو حرام ){[62632]} ، ثم الزم{[62633]} كل شيء من ذلك شأنه : دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم ، وخروجه منها كم هو{[62634]} ، ثم{[62635]} جعل على العبادة حفظة ، وعلى الكتاب خزانا ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان{[62636]} عَمَل ذلك اليوم فإذا فنى الرزق وانقطع الأثر ، وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ( من الخزنة ) فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا ، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا{[62637]} .

قال{[62638]} ابن عباس : ( ألستم عربا{[62639]} تسمعون الحفظة تقول : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ، وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ){[62640]} .

وعنه أيضا أنه قال : فرغ الله عز وجل مما هو كائن فتنسخ الملائكة ما يعمل يوما بيوم من اللوح المحفوظ ، فيقابل به عمل الإنسان لا يزيد على ذلك ولا ينقص .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( إن الملائكة ينزلون في{[62641]} كل يوم{[62642]} بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم ){[62643]} .

وقيل لابن عباس : ما توهمنا إلا أنهم يكتبونه بعدما يعمل . فقال : أنتم قوم عرب والله{[62644]} يقول : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) وهل{[62645]} يكون الاستنساخ إلا من نسخه .

وروى مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم{[62646]} قال : " أول شيء خلقه الله عز وجل القلم ، فأخذه بيمينه – وكلتا يديه يمين – فكتب : الدنيا وما يكون فيها من عمل ( معمول بر ){[62647]} أو فجور ، رطب أو يابس ، فأمضاه عنده ( في الذكر ){[62648]} . ثم قال : اقرؤوا إن شئتم : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } فهل تكون النسخة إلا من شيء قد فرغ منه " {[62649]} .


[62618]:ساقط من (ح).
[62619]:ساقط من (ت).
[62620]:(ح): (فاقروه).
[62621]:(ح): (حفظتها).
[62622]:(ت): (يستكتب).
[62623]:(ح): (فتتبتها).
[62624]:(ح): (أي) وما في (ت) موافق لجامع البيان 25/94.
[62625]:انظر جامع البيان 25/94، والمحرر الوجيز 14/321.
[62626]:القائل هو ابن عباس.
[62627]:في طرة (ت).
[62628]:انظر تفسير ابن كثير 4/152.
[62629]:(ت): (النور).
[62630]:ساقط من (ح).
[62631]:(ت): (أورزق).
[62632]:(ت): (وحرام).
[62633]:(ح): (لازم).
[62634]:ساقط من (ح).
[62635]:في جامع البيان 25/95: (وخروجه منها كيف..).
[62636]:(ح): (الخلق أي)، و(أي) في الطرة.
[62637]:انظر جامع البيان 25/95 حيث ورد بلفظه، والدر المنثور 7/429.
[62638]:(ح): (ثم قال).
[62639]:(ت): (عربيا).
[62640]:أخرجه الحاكم في مستدركه بلفظ آخر وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 2/454، ووافقه الذهبي في التلخيص 2/454، وأخرجه الطبري في جامع البيان 25/95. انظره في المحرر الوجيز 14/322 حيث ورد بلفظه، وجامع القرطبي 16/175.
[62641]:ساقط من (ت).
[62642]:في طرة (ت).
[62643]:انظر جامع البيان 25/95.
[62644]:(ت): (الله).
[62645]:(ح): (أي هل).
[62646]:ساقط من (ت).
[62647]:(ح): (بر معمول).
[62648]:(ت): (فالذكر).
[62649]:أخرجه أحمد 5/317 عن عبادة بن الصامت، والحاكم في مستدركه 2/498، والبيهقي ج 9/3 كلاهما عن ابن عباس، والطيالسي ح 577 عن عبادة بن الصامت. كلهم بمعناه. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.