تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

الآية 29 وقوله تعالى : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } يحتمل الكتاب الذي أضاف إلى نفسه ، هو القرآن الذي كان ينطق لهم بالحق أي بالحق الذي لله عليهم وما لبعضهم على بعض أو { بالحق } أي بالصدق بأنه من الله تعالى ، والله أعلم .

ويحتمل أن يكون ذلك الكتاب هو الكتاب الذي يكون لكلٍّ بالانفراد ، كتبه له الملائكة مما عمل{[19237]} من خير أو شر ، وهو كقوله تعالى : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } [ الإسراء : 14 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } اختُلف في تأويله :

قال بعضهم : إن الحفظة تكتب أعمال{[19238]} بني آدم ، ثم يعارضون ذلك بما في اللوح المحفوظ المكتوب فيه : أن فلانا يعمل كذا وكذا ، فلا يُزاد{[19239]} شيء ، ولا يُنقص .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه قال ]{[19240]} قريبا من هذا : إن في السماء كتابا ، عليه ملائكة ، والملائكة الذين مع بني آدم يستنسخون من ذلك الكتاب ما يعملون ، ثم قال : وهل تكون النسخة إلا من كتاب أو شيء ؟ والله أعلم .

وقال بعضهم : ملكان موكلان بالكتابة ، يكتب كل واحد منهما ما يعمله ، فإذا أراد أن يصعد إلى السماء ، يُعارض{[19241]} كل واحد منهما كتابة الذي كتبه مع كتاب الآخر ، فلا يتخطّى حرفا مما كتب هذا ما كتب الآخر ، والله أعلم .

وقال بعضهم : عرض كتاب الناس الذي عملوا كل يوم أو كل خميس ، فيُنسخ منه الخير والشر من غير أخذ من كتاب أو نحوه ، فإنه يجوز أن يُستعمل الانتساخ في ابتداء الكتابة على غير أخذ من الكتاب أو غيره نحو أن يقول الرجل : استنسخته ، أي كتبته ، فيكون كأنه قال : إنا كنا نستنسخ ، أي نكتب ما كنتم تعملون ونُثبته عليكم من خير أو شر ، فنُخرج لهم كتبهم التي في أعمالهم ، فكان عليهم حجة ، وهي التي كتبت عليهم الحفظة .

وقال أبو عوسجة : الجاثية ، هي التي جثت ، واجتمعت ، ويقول : تجاثينا ، أي بركنا على رُكبنا .

وقال القتبيّ : جاثية على الركب ؛ يراد بها أنها غير مطمئنة ، وقوله تعالى : { تُدعى إلى كتابها } إلى حسابها ، وقوله : { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } يريد أنهم يقرؤونه ، فيدلُّهم ، ويذكّرهم ، فكأنه ينطق عليهم ، وقوله : { إنا كنا نستنسخ } أي نكتب على ما ذكرنا ، والله أعلم .


[19237]:في الأصل وم: عملوا.
[19238]:من م، في الأصل: أعمالهم.
[19239]:في الأصل وم: يزيد.
[19240]:في الأصل وم: يقول.
[19241]:في الأصل وم: فيعارض.