فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

{ هَذَا كِتَابُنَا } لا منافاة بين هذا وقوله كتابهم بمعنى أنه مشتمل على أعمالهم ، وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه وإليه أشار في التقرير ، قاله الكرخي .

{ يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ } بما عملتم { بِالْحَقِّ } بلا زيادة ونقصان وهذا من تمام ما يقال لهم ، والقائل بهذا هم الملائكة ، وقيل : هو من قول الله سبحانه أي يشهد عليهم ؛ وهو استعارة ، يقال : نطق الكتاب بكذا أي بيّن وقيل : إنهم يقرأونه فيذكرهم ما عملوا فكأنه ينطق عليهم دليله قوله تعالى :

{ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا } قال ابن عباس هو أم الكتاب فيه أعمال بني آدم ، وقيل هو ديوان الحفظة ، ومحل { ينطق } النصب على الحال أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة .

وجملة { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } تعليل للنطق بالحق أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وتثبيتها عليكم ، وليس المراد بالنسخ إبطال ما في اللوح . قال الواحدي : وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه ؛ قالوا لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل ، وقيل إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات وتركوا المباحات ، وقيل إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر الله عز وجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ، ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب .

وقال ابن عباس ( الملائكة يستنسخون أعمال بني آدم ، فقام رجل فقال يا ابن عباس ما كنا نرى هذا تكتبه الملائكة في كل يوم وليلة ، فقال إنكم لستم قوما عربا هل يستنسخ الشيء إلا من كتاب ) ؟ .

وعن علي بن أبي طالب ( إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم ) ، وعن ابن عمر نحو ما روي عن ابن عباس ، وعن ابن عباس أيضا في الآية قال : يستنسخ الحفظة من أم الكتاب ما يعمل بنو آدم ، فإنما يعمل الإنسان ما استنسخ الملك من أم الكتاب ، وأخرج نحوه الحاكم عنه ، وصححه .

وأخرج الطبراني عنه أيضا في الآية قال : ( إن الله وكل ملائكة ينسخون من ذلك العام في رمضان ليلة القدر ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة ، فيتعارضون به حفظة الله على العباد عشية كل خميس ، فيجدون ما رفع الحفظة موافقا لما في كتابهم ذلك ، ليس فيه زيادة ولا نقصان ) .