الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

قوله تعالى : " هذا كتابنا " قيل من قول الله لهم . وقيل من قول الملائكة . " ينطق عليكم بالحق " أي يشهد . وهو استعارة يقال : نطق الكتاب بكذا أي بين . وقيل : إنهم يقرؤونه فيذكرهم الكتاب ما عملوا ، فكأنه ينطق عليهم ، دليله قوله : " ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها " {[13803]} [ الكهف : 49 ] . وفي المؤمنين : " ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون " {[13804]} وقد تقدم{[13805]} . و " ينطق " في ، موضع الحال من الكتاب ، أو من ذا ، أو خبر ثان لذا ، أو يكون " كتابنا " بدلا من " هذا " و " ينطق " الخبر . " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " أي نأمر بنسخ ما كنتم تعملون . قال علي رضي الله عنه : إن لله ملائكة ينزلون كل يوم بشيء يكتبون فيه أعمال بني آدم . وقال ابن عباس : إن الله وكل ملائكة مطهرين فينسخون من أم الكتاب في رمضان كل ما يكون من أعمال بني آدم فيعارضون حفظة الله على العباد كل خميس ، فيجدون ما جاء به الحفظة من أعمال العباد موافقا لما في كتابهم الذي استنسخوا من ذلك الكتاب لا زيادة فيه ولا نقصان . قال ابن عباس : وهل يكون النسخ إلا من كتاب . الحسن : نستنسخ ما كتبته الحفظة على بني آدم ؛ لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال . وقيل : تحمل الحفظة كل يوم ما كتبوا على العبد ، ثم إذا عادوا إلى مكانهم نسخ منه الحسنات والسيئات ، ولا تحول المباحات إلى النسخة الثانية . وقيل : إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله عز وجل أمر بأن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ، ويسقط من جملتها ما لا ثواب فيه ولا عقاب .


[13803]:آية 49 سورة الكهف.
[13804]:آية 62 سورة المؤمنون.
[13805]:راجع ج 10 ص 418 و ج 12 ص 134.