بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (29)

قوله تعالى : { هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم } يعني : هذا الذي كتب عليكم الحفظة { يَنطِقُ عَلَيْكُم } { بالحق } يعني : يشهد عليكم بالحق { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } يعني : نستنسخ عملكم من اللوح المحفوظ ، نسخة أعمالكم ، { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } من الحسنات والسيئات .

قال أبو الليث رحمه الله : حدّثنا الخليل بن أحمد . قال : حدّثنا الماسرجسي قال : حدّثنا إسحاق قال : حدّثنا بقية بن الوليد قال : حدّثنا أرطأة بن المنذر . قال : عن مجاهد ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أَوَّلُ مَا خَلَقَ الله القَلَمَ ، فَكَتَبَ مَا يَكُون فِي الدُّنْيَا مِنْ عَمَلٍ مَعْمُولٍ ، براً وفاجَراً وَأحْصَاهُ فِي الذّكْرِ فَاقْرَؤُوا إِن شِئْتُمْ { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فهَلَ يَكُونُ النّسْخُ إِلاّ مِنْ شَيءٍ قَدْ فُرِغٍ مِنْهُ » . وروى الضحاك ، عن ابن عباس ، أن الله تعالى وكل ملائكته ، يستنسخون من ذلك الكتاب المكتوب عنده ، كل عام في شهر رمضان ، ما يكون في الأرض من حدث إلى مثلها من السنة المقبلة ، فيعارضون به ، حفظة الله تعالى على عباده كل عشية خميس ، فيجدون ما رفع الحفظة موافقاً لما في كتابهم ذلك ، لا زيادة فيه ولا نقصان .

وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ألستم قوماً عرباً ، هل يكُون النَّسخ إِلاَّ من أَصْل كَان قَبْل ذَلِكَ ؟ وقال القتبي : إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ . قال إن الحفظة يكتبون جميع ما يكون من العبد ، ثم يقابلونه بما في أم الكتاب ، فما فيه من ثواب أو عقاب أثبت ، وما لم يكن فيه ثواب ولا عقاب محي فذلك قوله : { يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب } [ الرعد : 39 ] الآية . وقال الكلبي : يرفعان ما كتبا ، فينسخان ما فيها من خير أو شر . ويطرح ما سوى ذلك .