تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

29

{ يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور( 33 ) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير( 34 ) }

المفردات :

اتقوا ربكم : خافوا عقابه .

واخشوا يوما : هو يوم القيامة .

لا يجزى : لا يغنى ولا يقضى .

فلا تغرنكم : فلا تلهينكم ولا تخدعنكم .

الغرور : الشيطان أو ما غر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان .

التفسير :

{ يا أيها النسا اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود عن هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور }

في ختام سورة لقمان يأتي هذا النداء الإلهي للناس أجمعين يدعوهم للإيمان بالله ومراقبته وتقواه أي خشيته والخوف من معصيته والالتزام بطاعته والخوف من الحساب والجزاء يوم القيامة حيث يشتد الهول ويشيب الوليد ويذهل الإنسان سكران من غير مسكر في ذلك اليوم تكون المسؤولية فردية ويتحمل كل إنسان جزاء عمله فلا ينفع الأب ابنه ولا يقضي عنه شيئا وكذلك المولود لا ينفع أباه ولا يقضي عنه شيئا فكل إنسان مرتهن بعمله إن وعد الله تعالى بمجيء القيامة ومحاسبة الناس حق وصدق لا خلف فيه .

{ فلا تغرنكم الحياة الدنيا . . . }

بمشاغلها وأموالها وما فيها من مناصب وجاه وسلطان وتجارة وعمارة يتنافس فيها الناس فالعاقل من جعل الدنيا مزرعة الآخرة واستثمر دنياه في إعمار آخرته فأقام الصلاة وآتى الزكاة وأدى الواجبات واجتنب المنهيات .

{ ولا يغرنكم بالله الغرور }

لا تغرنكم متاع الدنيا من الشباب والمال والجاه والشيطان .

قال الراغب : الغرور كل ما يغر من مال وجاه وشهوة وشيطان .

وقال غيره : لا يغرنكم الشيطان بتزيين المعاصي وتأخير التوبة حتى يفاجئكم الموت .

قال في ظلال القرآن : ولا يغرنكم بالله الغرور . . . . من متاع يلهى ، أو شغل ينسى أو شيطان يوسوس في الصدور والشياطين كثير الغرور بالمال شيطان والغرور بالعلم شيطان والغرور بالعمر شيطان والغرور بالقوة شيطان والغرور بالسلطان شيطان ودفعة الهوى شيطان ونزوة الشهوة شيطان وتقوى الله وتصور الآخرة هما العاصم من كل غرور .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

قوله تعالى :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي } لا يقضي ولا يغني ، { والد عن ولده ولا مولود هو جاز } مغن ، { عن والده شيئاً } قال ابن عباس : كل امرئ تهمه نفسه ، { إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور } يعني الشيطان . قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

قوله تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم " يعني الكافر والمؤمن ، أي خافوه ووحدوه . " واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا " تقدم معنى " يجزي " في البقرة{[12626]} وغيرها . فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث{[12627]} لم تمسه النار إلا تحله القسم ) . وقال : ( من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له حجابا من النار ) . قيل له : المعني بهذه الآية أنه لا يحمل والد ذنب ولده ، ولا مولود ذنب والده ، ولا يؤاخذ أحدهما عن الآخر . والمعني بالأخبار أن ثواب الصبر على الموت والإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النار ، ويكون الولد سابقا له إلى الجنة . " إن وعد الله حق " أي البعث " فلا تغرنكم " أي تخدعنكم " الحياة الدنيا " بزينتها وما تدعوا إليه فتتكلوا عليها وتركنوا إليها وتتركوا العمل للآخرة " ولا يغرنكم بالله الغرور " قراءة العامة هنا وفي سورة الملائكة{[12628]} والحديد{[12629]} بفتح الغين ، وهو الشيطان في قول مجاهد وغيره ، وهو الذي يغر الخلق ويمنيهم الدنيا ويلهيهم عن الآخرة ، وفي سورة " النساء " : " يعدهم ويمنيهم " {[12630]} . وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميقع بضم الغين ، أي لا تغتروا . كأنه مصدر غر يغر غرورا . قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل بالمعصية ويتمنى المغفرة .


[12626]:راجع ج 1 ص 377.
[12627]:أي لم يبلغوا مبلغ الرجال ويجري عليهم القلم فكتب عليهم الحنث، وهو الإثم.
[12628]:راجع ص 322 من هذا الجزء.
[12629]:راجع ج 17 ص 247.
[12630]:راجع ج 5 ص 395.