تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

10

{ أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير } .

المفردات :

وقدر : أحكم أو اقتصد . السرد : نسج الدروع ، أي اجعل المسامير مقدرة على قدر الحلق فلا يكون غليظا ولا دقيقا .

التفسير :

أي أوحينا إليه أن اعمل دروعا سابغات أي كاملات تامة واسعات يقال : نعمة سابغات أسي كاملة وافرة قال تعالى : { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة . . . } ( لقمان : 20 )

{ وقدر في السرد . . . }

أي أحكم صنع الدروع بحيث يكون في أكمل صورة وأحسن هيئة ، متناسبة الحلقات والمسامير فلا تكون الحلقات واسعة ولا ضيقة ، بل متناسقة على قدر الحاجة محكمة على قدر حاجة الجسم وكان داود عليه السلام أول من صنع الدروع المحكمة .

قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح ثقالا .

وقال المفسرون { وقدر في السرد } : أي لا تغلظ المسامير فيتسع الثقب ولا توسع الثقب فتقلقل المسامير فيها . iv

قال الفخر الرازي : قيل إنه طلب من الله أن يغنيه عن أكل مالا بيت المال فألان له الحديد وعلمه صنعة اللبوس وهي الدروع .

{ واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير } .

أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فإني مطلع ومشاهد ومراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم لا يخفى علي شيء منها .

وفي معنى ذلك قوله تعالى : { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } ( ص : 18 ) .

وقوله عز شأنه : { وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون } . ( الأنبياء : 79-80 ) .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

قوله تعالى : { أن اعمل سابغات } دروعاً كوامل واسعات طوالاً تسحب في الأرض ، { وقدر في السرد } والسرد نسج الدروع ، يقال لصانعه : السراد والزراد ، يقول : قدر المسامير في حلق الدرع أي : لا تجعل المسامير دقاقاً فتفلت ولا غلاظاً فتكسر الحلق ، ويقال : السرد المسمار في الحلقة ، يقال : درع مسرودة أي : مسمورة الحلق ، وقدر في السرد اجعله على القصد وقدر الحاجة ، { واعملوا صالحاً } يريد : داود وآله . { إني بما تعملون بصير* }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

قوله تعالى : " أن اعمل سابغات " أي دروعا سابغات ، أي كوامل تامات واسعات . يقال : سبغ الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه . " وقدر في السرد " قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح فكانت ثقالا ؛ فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع من الخفة والحصانة . أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه . أي لا تقصد الحصانة فتثقل ، ولا الخفة فتزيل المنعة . وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي لا تعملها صغيرة فتضعف فلا تقوى الدروع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها . وقال ابن عباس : التقدير الذي أمر به هو في المسار ، أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق{[12970]} ، ولا غليظا فيفصم الحلق . روي " يقصم " بالقاف ، والفاء أيضا رواية . " في السرد " السرد نسج حلق الدروع ، ومنه قيل لصانع حلق الدروع : السراد والزراد ، تبدل من السين الزاي ، كما قيل : سراط وزراط . والسرد : الخرز ، يقال : سرد يسرد إذا خرز . والمسرد : الإشفى ، ويقال سراد . قال الشماخ :

فظلت{[12971]} تباعا خيلنا في بيوتكم *** كما تابعت سَرْدَ العنان الخوارِزُ

والسِّراد : السير الذي يخرز به . قال لبيد :

يشك صِفَاحها بالرَّوْقِ شَزْرًا *** كما خرج السِّرَادُ من النقال{[12972]}

ويقال : قد سرد الحديث والصوم ، فالسرد فيهما أن يجيء{[12973]} بهما ولاء في نسق واحد ، ومنه سرد الكلام . وفي حديث عائشة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم ، وكان يحدث الحديث لو أراد العاد أن يعده لأحصاه . قال سيبويه : ومنه رجل سردي أي جريء ، قال : لأنه يمضي قدما{[12974]} . وأصل ذلك في سرد الدرع ، وهو أن يحكمها ويجعل نظام حلقها ولاء غير مختلف . قال لبيد :

صنع الحديد مضاعفا أسراده *** لينال طول العيش غير مرُومِ

وقال أبو ذؤيب :

وعليهما مسرودتَانِ قضاهما *** داودُ أو صَنَعُ السوابغ تُبَّعُ{[12975]}

قوله تعالى : " واعملوا صالحا " أي عملا صالحا . وهذا خطاب لداود وأهله ، كما قال : " اعملوا آل داود شكرا " [ سبأ : 13 ] . " إني بما تعملون بصير " وقال العلماء : وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور .


[12970]:القلق: ألا يستقر في مكان واحد.
[12971]:رواية البيت كما في ديوانه: شككن بأحشاء الذنابي على هدى *** كما تابعت ... ... ... ... الخ.
[12972]:الروق: القرن. والنقال: جمع النقل (بالتحريك) والنقل، وهو الخف الخلق.
[12973]:في الأصول: "به".
[12974]:أي لم يعرّج ولم ينثن، يوصف به الذكر والأنثى.
[12975]:قضاهما: أحكمهما، أو فرغ منهما. والصنع (بالتحريك): الحذق في العمل. والصنع هاهنا تبع، وهو ملك من ملوك حمير. ويروى:" أو صنع السوابغ".