فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

{ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي بأن اعمل أو لأن اعمل أو { أن } مفسرة لقوله ألنا قاله الحوفي وفيه نظر ، لأنها لا تكون إلا بعد القول أو ما هو في معناه ، وقيل : التقدير أمرناه أن أعمل ولا ضرورة تدعوا إلى ذلك ، والمعنى دروعا سابغات والسوابغ الكوامل الواسعات ، يقال : سبغ الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه ، وفضل منه فضلة ، وقرئ صابغات بالصاد لأجل الغين .

{ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } السرد نسج الدروع ، يقال : السرد والزرد كما يقال : السراد والزراد لصانع الدروع والسرد أيضا الخرز ، يقال سرد يسرد إذا خرز ومنه سرد الكلام إذا جاء متواليا ، ومنه حديث عائشة : [ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم ] قال سيبويه : ومنه سريد أي جرى ، ومعنى سرد الدروع إحكامها وأن يكون نظام حلقها ولاء غير مختلف .

قال قتادة : كانت الدروع قبل داود ثقالا . فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة ، أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه ، فلا تقصد الحصانة فتثقل ، ولا الخفة فتزيل المنعة . قال ابن زيد : التقدير الذي أمر به في قدر الحلقة أي لا تعملها صغيرة فتضعف ، ولا يقوى الدرع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فتثقل على لا بسها .

وقيل : إن التقدير في المسمار أي لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق ولا غليظا فيفصم الحلق ، وقال ابن عباس : قدر في السرد أي في حلق الحديد وعنه لا تدق المسامير وتوسع الحلق فتسلس ، ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلق فتفصم ، واجعله قدرا .

وقال البقاعي : إنه لم تكن في حلقها مسامير لعدم الحاجة إليها بسبب إلانة الحديد ، وإلا لم يكن بينه وبين غيره فرق ، ولا كان للإلانة كبير فائدة وقد أخبر بعض من رأى ما نسب إليه بغير مسامير .

وقال الرازي : معناه إنك غير مأمور به أمر إيجاب وإنما هو اكتساب والكسب يكون بقدر الحاجة . وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل فيه القوت فحسب ، ثم خاطب داود وأهله فقال :

{ وَاعْمَلُوا } عملا { صَالِحًا } كما في قوله { اعملوا آل داود شكرا } ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي لا يخفى علي شيء من ذلك فأجازيكم به .