الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

وقوله : { أن اعمل سابغات } أي : دروعا كوامل توام .

قال قتادة : كان داود أول من صنع الدروع ، وكانت قبل ذلك صفائح{[55792]} .

ثم قال تعالى : { وقدر في السرد } .

قال قتادة : كان يجعلها بغير نار ولا حديد ، والسرد : الممسامير{[55793]} .

وقال ابن عباس : السرد حلق الحديد{[55794]} .

وقاله ابن منبه .

والسرد في اللغة كل ما عمل متسقا متتابعا يقرب بعضه من بعض ومنه سرد الكلام{[55795]} ومنه قيل للذي يعمل الدروع زراد وسراد{[55796]} .

قال وهب بن منبه : كان داود يخرج متنكرا يسأل عن سيرته في الناس فيسمع حسن الثناء عليه ، فيزداد تواضعا لله ، وعلى الخير حرصا ، قال : فخرج ذات يوم وبعث الله ملكا إليه في صورة آدمي ، فقال له داود : كيف ترى سيرة هذا العبد داود صلى الله عليه وسلم وهو يظن أنه آدمي فقال له الملك : نعم العبد داود ما أنصحه لربه وأقربه من المساكين لولا خصلة في داود ما كان لله عبد مثل داود ، قال له داود : وما تلك الخصلة ؟ قال : إنه يأكل من بيت المال وما من عبد أقرب إلى الله جل ذكره من عبد يأكل من كد يمينه فانصرف داود ودخل محرابه وابتهلل إلى ربه وسأله أن يرزقه عملا بيده يغنيه عن بيت المال ، فعلمه الله صنعة الدروع ، فكان أول من عمل الدروع وألان الله له الحديد فكان في يده بمنزلة العجين{[55797]} .

والمعنى على قول مجاهد : وقدر المسامير في حلق الدرع حتى تكون بمقدار لا يضيق المسمار وتضيق الحلقة فتقسم الحلقة ، ولا توسع الحلقة وتصغر المسمار وتدقه فتسلس الحلقة{[55798]} .

ثم قال : { واعملوا صالحا بما تعملون بصير } أي اعمل يا داود أنت وأهلك عملا صالحا إني بعملكم بصير .

والطير وقف{[55799]} ولا تقف على الحديد أن ما بعده متعلق به{[55800]} ولا تقف على " بصير " إلا على قراءة من رفع{[55801]} " الريح " {[55802]} فإن نصبته فهو معطوف عند الكسائي على " وألنا " {[55803]} .

والتقدير عند الزجاج : سخرنا له الريح{[55804]} .


[55792]:انظر: جامع البيان 22/67 والمحرر الوجيز 13/113، والجامع للقرطبي 14/267، وتفسير ابن كثير 3/528 وقصص الأنبياء لابن كثير 422 والدر المنثور 6/676
[55793]:انظر: جامع البيان 22/67 والدر المنثور 6/676
[55794]:انظر: جامع البيان 22/67 بمعناه
[55795]:انظر: مادة "سرد" في الصحاح 1/483 واللسان 3/211 والقاموس المحيط 1/301
[55796]:جاء في اللسان مادة "زرد" 3/194: الزرد والزرد: حلق المغفر والدرع. والزردة حلقه الدرع، والسرد: ثقبها والجمع زرود، والزراد صانعها وقيل: الزاي في ذلك كله بدل من السين في السرد والسراد"
[55797]:انظر: المحرر الوجيز 13/113 وقد وردت فيه هذه الرواية غير منسوبة
[55798]:انظر: جامع البيان 22/62 وتفسير مجاهد 553 بمعناه
[55799]:انظر: القطع والإئتناف 581 وفيه: أن "والطير" وقف تمام عند أحمد بن موسى ووقف كاف عند أبي حاتم
[55800]:انظر: المصدر السابق 581 حيث يرى أبو جعفر أن "الحديد" ليس بتمام ولا كاف لأن بعده "أن اعمل" وتكون "أن" في موضع نصب على حذف الياء، أو تكون مفسرة لا موضع لها.
[55801]:هي قراءة عاصم انظر: السبعة لابن مجاهد 527 والحجة لأبي زرعة 583 وإعراب النحاس 3/335 أما مكي في الكشف 2/202 فقد نسب هذه القراءة إلى أبي بكر القارئ.
[55802]:انظر: القطع والإئتناف 581 والمكتفى للداني 464
[55803]:انظر: القطع والإئتناف 581 وإعراب النحاس 3/335
[55804]:انظر: معاني الزجاج 4/245 وإعراب النحاس 3/335 والقطع والإئتناف 581، والجامع للقرطبي 14/268