النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

قوله عز وجل : { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي درعاً تامة ، ومنه إسباغ النعمة إتمامها ، قال الشاعر :

وأكثرهم دروعاً سابغات *** وأمضاهم إذا طعنوا سنانا

{ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } فيه قولان :

أحدهما : عدِّل المسامير في الحلقة لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فيسلس ، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فتنفصم الحلقة ، قاله مجاهد .

الثاني : لا تجعل حلقة واسعة فلا تقي صاحبها ، قال قتادة : وكان داود أول من عملها ، وكانت قبل ذلك صفائح .

وفي { السَّرْدِ } قولان :

أحدهما : أنه النقب الذي في حلق الدرع ، قاله ابن عباس ، قال لبيد{[2232]} :

وما نسجت أسراد داود وابنه *** مضاعفة من نسجه إذ يقاتل

الثاني : أنه المسامير التي{[2233]} في حلق الدرع ، قاله قتادة ، مأخوذ من قولهم : سرد الكلام يسرده إذا تابع بينه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : في الأشهر الحرم ثلاثة سردٌ وواحد فرد . وقال الهذلي{[2234]} :

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود أو صنع السوابغ تبّع{[2235]}

وحكى ضمرة بن شوذب أن داود عليه السلام كان يرفع كل يوم درعاً فيبيعها بستة آلاف درهم ، ألفان لأهله ، وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري{[2236]} .

وحكى يحيى بن سلام والفراء أن لقمان حضر داود عند أول درع عملها فجعل يتفكر فيما يريد به ولا يدري ما يريد ، فلم يسله حتى إذا فرغ منها داود قام فلبسها وقال : نعمت جنّة الحرب هذه ، فقال لقمان : الصمت حكمة وقليل فاعله .

{ وَاعْمَلُوا صَالِحاً } فيه وجهان :

أحدهما : هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، قاله ابن عباس .

الثاني : فعل جميع الطاعات .

{ إنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي يعلم ما تعملون من خير أو شر .


[2232]:في ك كثير.
[2233]:في الأصول: الذي.
[2234]:هو أبو ذؤيب الهذلي.
[2235]:قضاهما: أحكمهما، أو فرغ منهما. والصنع: بالتحريك الحذق في العمل. وتبع ها هنا هو الصنع وهو ملك من ملوك حمير.
[2236]:ما اتخذ من الدقيق الأبيض.