فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

{ أَنِ اعمل سابغات } في { أن } هذه وجهان : أحدهما : أنها مصدرية على حذف حرف الجرّ ، أي بأن اعمل ، والثاني أنها المفسرة لقوله : { وَأَلَنَّا } ، وفيه نظر ؛ لأنها لا تكون إلاّ بعد القول ، أو ما هو في معناه . وقدّر بعضهم فعلاً فيه معنى القول ، فقال التقدير : وأمرناه أن اعمل . وقوله : { سابغات } صفة لموصوف محذوف ، أي : دروعاً سابغات ، والسابغات الكوامل الواسعات ، يقال : سبغ الدرع والثوب وغيرهما : إذا غطى كل ما هو عليه ، وفضل منه فضلة . { وَقَدّرْ في السرد } السرد نسج الدروع ، ويقال : السرد والزرد كما يقال : السراد ، والزراد لصانع الدروع ، والسرد أيضاً الخرز . يقال : سرد يسرد : إذا خرز ، ومنه سرد الكلام : إذا جاء به متوالياً ، ومنه حديث عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم . قال سيبويه : ومنه سريد : أي جري ، ومعنى سرد الدروع : إحكامها ، وأن يكون نظم حلقها ولاء غير مختلف ، ومنه قول لبيد :

سرد الدروع مضاعفاً أسراده *** لينال طول العيش غير مروم

وقول أبي ذؤيب الهذلي :

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود إذ صنع السوابغ تبع

قال قتادة : كانت الدروع قبل داود ثقالاً ، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة ، أي قدّر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه ، فلا تقصد الحصانة فيثقل ، ولا الخفة فيزيل المنعة ، وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي لا تعملها صغيرة فتضعف ولا يقوى الدرع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فتثقل على لابسها . وقيل : إن التقدير هو في المسمار ، أي : لا تجعل مسمار الدرع دقيقاً فيقلق ، ولا غليظاً فيفصم الحلق . ثم خاطب داود ، وأهله ، فقال : { واعملوا صالحا } أي عملاً صالحاً كما في قوله : { اعملوا ءالَ دَاوُودُ شكرا } ، ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله : { إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي لا يخفى عليّ شيء من ذلك .

/خ14