البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

السابغات : الدروع ، وأصله الوصف بالسبوغ ، وهو التمام والكمال ، وغلب على الدروع فصار كالأبطح ، وقال الشاعر :

عليها أسود ضاريات لبوسهم *** سوابغ بيض لا يخرّقها النبل

السرد : اتباع الشيء بالشيء من جنسه ، قال الشماخ :

فظن تباعاً خيلنا في بيوتكم *** كما تابعت سرد الضأن الخوارز

ويقال الدرع : مسرودة ، لأنه توبع فيها الحلق بالحلق ، قال الشاعر :

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود أو صنع السوابغ تبع

ويقال لصانع ذلك : سرّاد وزراد ، تبدل من السين الزاي ؛ كما قالوا :سراط وزراط . ويقال للأشفى : مسرد ومسراد وسرد القرآن ، إذا حدر فيه ؛ والكلام إذا تابعه مستعجلاً فيه .

وأن في { أن اعمل } مصدرية ، وهي على إسقاط حرف الجر ، أي ألناه لعمل { سابغات } .

وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة ، ولا يصح ، لأن من شرطها أن يتقدمها معنى القول ، وأن ليس فيه معنى القول .

وقدر بعضهم قبلها فعلاً محذوفاً حتى يصح أن تكون مفسرة ، وتقديره : وأمرناه أن اعمل ، أي اعمل ، ولا ضرورة تدعو إلى هذا المحذوف .

وقرىء : صابغات ، بالصاد بدلاً من السين ، وتقدم أنها لغة في قوله : وأسبغ عليكم نعمه .

{ وقدر في السرد } ، قال ابن زيد : هو في قدر الحلقة ، أي لا تعملها صغيرة فتضعف ، فلا يقوى الدرع على الدفاع ، ولا كبيرة فينال لابسها من خلالها .

وقال ابن عباس : هو في المسمار ، لا يرق فينكسر ، ولا يغلظ فيفصم ، بالفاء وبالقاف .

وقال قتادة : إن الدروع كانت قبل صفائح كانت ثقالاً ، وهو أول من صنع الدرع حلقاً .

والظاهر أن الأمر في قوله : { اعملوا آل داود } لآل داود ، وإن لم يجر لهم ذكر .

ويجوز أن يكون أمراً لداود شرفه الله بأن خاطبه خطاب الجمع .