نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

ثم ذكر علة الإلانة بصيغة الأمر إشارة إلى أن عمله{[56465]} كان لله فقال : { أن أعمل سابغات } أي دروعاً طوالاً واسعة .

ولما كان السرد الخرز{[56466]} في الأديم وإدخال الخيط في موضع الخرز شبه إدخال الحلقة في الأخرى بلحمة لا طرف لها بمواضع الخرز{[56467]} فقال : { وقدر في السرد } أي النسج بأن يكون كل حلقة مساوية{[56468]} لأختها مع كونها ضيقة لئلا ينفذ منها سهم{[56469]} ولتكن في تحتها بحيث لا يقلعها سيف ولا تثقل على الدارع فتمنعه خفة التصرف وسرعة الانتقال في الكر والفر والطعن والضرب في البرد والحر ، والظاهر أنه لم يكن في حلقها مسامير{[56470]} لعدم الحاجة بإلانة{[56471]} الحديد إليها ، وإلا لم يكن بينه وبين غيره فرق ، ولا كان للإلانة فائدة ، وقد أخبر بعض من رأى ما نسب إليه بغير{[56472]} مسامير ، قال الزجاج : السرد في اللغة : تقدير الشيء إلى الشيء ليتأتى متسقاً بعضه في أثر بعض متتابعاً ، ومنه قولهم : سرد فلان الحديث . وهذا كما ألان الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الخندق تلك الكدية وفي رواية : الكذانة وذلك بعد أن لم تكن المعاول تعمل فيها وبلغت غاية الجهد منهم فضربها صلى الله عليه وسلم ضربة واحدة ، وفي رواية رش عليها ماء فعادت كثيباً أهيل لا ترد فأساً{[56473]} وتلك الصخرة التي أخبره{[56474]} سلمان{[56475]} رضي الله عنه أنها كسرت فؤوسهم ومعاولهم{[56476]} وعجزوا عنها فضربها النبي{[56477]} صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات كسر{[56478]} في كل ضربة ثلاثاً منها وبرقت{[56479]} مع كل ضربة برقة كبر معها تكبيرة ، وأضاءت للصحابة رضي الله عنهم ما بين لابتي المدينة بحيث كانت في النهار كأنها مصباح في جوف بيت مظلم ، فسألوه{[56480]} عن ذلك فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن إحدى الضربات أضاءت له صنعاء من أرض اليمن حتى رأى أبوابها{[56481]} من مكانه ذلك ، وأخبره جبرائيل عيله السلام أنها ستفتح على أمته ، وأضاءت له الأخرى قصور الحيرة البيض كأنها أنياب الكلاب ، وأخبر{[56482]} أنها مفتوحة لهم ، وأضاءت له{[56483]} الأخرى قصور الشام الحمر كأنها أنياب الكلاب ، وأخبر{[56484]} بفتحها عليهم ، فصدقه الله تعالى في جميع ما قال ، وأعظم من ذلك تصليب الخشب له حتى يصير سيفاً قوي المتن جيد الحديدة ، وذلك أن سيف عبد الله بن جحش رضي الله عنه انقطع يوم أحد ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا فعاد في يده سيفاً قائمة منه فقاتل به ، فكان يسمى العون ، ولم يزل بعد يتوارث حتى بيع من بغا التركي بمائتي دينار ذكره الكلاعي في السيرة عن الزبير بن أبي بكر والبيهقي ، وقاتل عكاشة{[56485]} ابن محصن يوم بدر فانقطع سيفه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلاً من حطب ، فلما أخذه هزه فعاد في يده سيفاً طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين ، وكان ذلك السيف يسمى العون ، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده حتى قتل في الردة وهو عنده ، وعن الواقدي أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم بن الحريش{[56486]} يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيباً كان في يده من عراجين ابن طاب فقال : اضرب به فإذا هو{[56487]} سيف جيد ، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد ، وإلحامه للحديد ليس بأعجب من إلحام النبي صلى الله عليه وسلم ليد معوذ{[56488]} بن عفراء لما قطعها أو جهل يوم بدر فأتى بها يحملها في يده الأخرى فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت وصحت مثل أختها كما نقله البيهقي وغيره .

ولما أتم{[56489]} سبحانه ما يختص به من الكرامات ، عطف عليها ما جمع فيه الضمير لأنه يعم غيره فقال : { واعملوا } أي أنت ومن أطاعك { صالحاً } أي بما تفضلنا به عليكم من العلم والتوفيق للطاعة ، ثم علل هذا الأمر ترغيباً وترهيباً بقوله مؤكداً إشارة إلى أن إنكارهم للقدرة على{[56490]} البعث إنكار لغيرها من الصفات وإلى أن{[56491]} المتهاون{[56492]} في العمل في عداد من ينكر أنه بعين الله : { إني بما تعملون } أي كله { بصير * } أي مبصر وعالم بكل {[56493]}ظاهر له{[56494]} وباطن .


[56465]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أمره.
[56466]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الحرز.
[56467]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الحرز.
[56468]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: متساوية.
[56469]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: سعمهم ـ كذا.
[56470]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[56471]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بالإلانة.
[56472]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من غير.
[56473]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فارسا.
[56474]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أخبر بها.
[56475]:من م ومد، وفي الأصل وظ: سليمان.
[56476]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: معاويلهم.
[56477]:سقط من م ومد.
[56478]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: كسرت.
[56479]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: برق.
[56480]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فسألهم.
[56481]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أبوابه.
[56482]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أخبره.
[56483]:زيد من ظ وم ومد.
[56484]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أخبره.
[56485]:زيد من ظ ومد.
[56486]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الحرير.
[56487]:سقط من ظ وم ومد.
[56488]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: معاذ.
[56489]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تم.
[56490]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[56491]:زيد من ظ وم ومد.
[56492]:من مد، وفي الأصل وظ وم: التهاون.
[56493]:في الأصل بياض ملأناه من ظ وم ومد.
[56494]:في الأصل بياض ملأناه من ظ وم ومد.