إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَنِ ٱعۡمَلۡ سَٰبِغَٰتٖ وَقَدِّرۡ فِي ٱلسَّرۡدِۖ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (11)

{ أَنِ اعمل } أمرناه أنِ اعمل على أنَّ «أنْ » مصدريةٌ حُذف عنها الباءُ وفي حملها على المفسِّرةِ تكلُّفٌ لا يخفى { سابغات } واسعاتٍ . وقرئ صابغاتٍ وهي الدُّروعُ الواسعة الضَّافيةُ وهو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلُ من اتَّخذها وكانت قبلُ صفائحَ قالوا : كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين ملكَ على بني إسرائيلَ يخرجُ مُتنكِّراً فيسألُ النَّاسَ : ما تقولون في داودَ ؟ فيُثنون عليه فقيَّضَ الله تعالى له مَلَكاً في صورةِ آدميَ فسأله على عادتِه فقال : نِعْمَ الرَّجلُ لولا خَصلةٌ فيه ، فريع داودُ فسألَه عنها فقالَ : لولا أنَّه يُطعم عيالَه من بيتِ المالِ فعند ذلك سألَ ربَّه أنْ يُسبِّب له ما يستغني به عن بيتِ المال فعلَّمه تعالى صنعةَ الدُّروعِ وقيل : كان يبيعُ الدِّرعَ بأربعةِ آلافٍ فينفقُ منها على نفسِه وعيالِه ويتصدَّقُ على الفقراء { وَقَدّرْ فِي السرد } السَّردُ نسجُ الدُّروعِ أي اقتصد في نسجِها بحيث تتناسب حِلَقُها .

وقيل : قدِّرْ في مساميرِها فلا تعملها دِِقاقاً ولا غِلاظاً ، ورُدَّ بأنَّ دروعَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم تكُن مسمَّرة كما يُنبئ عنه إلانةُ الحديدِ . وقيل : معنى قَدِّرْ في السَّردِ لا تصرفْ جميعَ أوقاتِك إليه بل مقدارَ ما يحصلُ به القوتُ وأمَّا الباقي فاصرِفْه إلى العبادة وهو الأنسبُ بقوله تعالى : { واعملوا صالحا } عمَّم الخطابَ حسب عموم التَّكليفِ له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ولأهلِه { إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تعليلٌ للأمرِ أو لوجوبِ الامتثالِ به .