تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ} (17)

سعادة المؤمنين

{ والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد ( 17 ) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ( 18 ) أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ( 19 ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبينة تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ( 20 ) }

المفردات :

الطاغوت : الأوثان والمعبودات الباطلة ، والمراد به : الشيطان .

وأنابوا إلى الله : رجعوا إليه وتابوا .

البشرى : الثواب على ألسنة الرسل أو الملائكة عند حضور الموت وحين يحشرون ، والبشرى اسم لما يُعطاه المبشر .

التفسير :

17- { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد } .

من شأن القرآن أن يقابل بين عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة ، وقد تحدث فيما سبق عن الخاسرين وعذابهم في النار ، وهنا يتحدث عن الذين أقبلوا على الله تعالى ، وابتعدوا عن عبادة الأوثان والأصنام ، وطاعة الشيطان ، فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها . . . }

أي : ابتعدوا عن عبادة الأوثان والأصنام ، وعن طاعة الشيطان .

{ وأنابوا إلى الله . . . }

ورجعوا إلى الله مؤمنين قانتين ، هؤلاء يستحقون النجاة والفوز والبشارة بالجنة .

{ لهم البشرى فبشر عباد } .

أي : يبشرهم القرآن بالثواب الجزيل ، ورضوان الله عليهم في الدنيا ، والنعيم في الآخرة .

وقيل : البشرى هي أن الملائكة تنزل عليهم عند الموت ، تبشرهم بأن الله تعالى سيحفظهم في ذرّيتهم فلا يخافون عليهم ، وسييسر لهم دخول الجنة ، ونعيم القبر .

قال تعالى : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون * نزلا من غفور رحيم } . ( فصلت : 30-32 ) .

والخلاصة :

أن الملائكة تنزل على المؤمنين عند خروج الروح ، فتبشرهم بأن الله يحفظهم في ذريّاتهم ، فلا يخافون عليهم ، وتبشّرهم بنعيم القبر ونعيم الجنة ، وبولاية الله لهم في الدنيا وفي الآخرة .

قال ابن إسحاق :

نزلت الآية السابعة عشرة من سورة الزُّمَر في عثمان ، وعبد الرحمان بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، والزبير ، رضي الله عنهم ، سألوا أبا بكر رضي الله عنه فأخبرهم بإيمانه ، وذكّرهم بالله فآمنوا .

وقيل : نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، كانوا يقولون في الجاهلية : ( لا إله إلا الله ) ، لكن علماء القرآن يقولون : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، أي أننا لا نقصر الآيات على هؤلاء الأشخاص ، بل نقول : كل من هجر عبادة الأوثان ، وابتعد عن السير وراء الطاغوت والطغيان ، وأطاع الله وحده لا شريك له ، منيبّا إلى الله تعالى ، يستحق البشرى بالأخبار السّارة ، فبشر أيها الرسول عبادي المؤمنين .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ} (17)

ولما ذكر ما لمن عبد الطاغوت ، عطف عليه أضدادهم ليقترن الوعد بالوعيد ، فيحصل كمال الترغيب والترهيب فقال : { والذين اجتنبوا } أي كلفوا أنفسهم ذلك لما لها في الانسياق إليه من الهوى مع تزيين الشيطان " حفت النار بالشهوات " ولما كان للإجمال ثم البيان موقع عظيم ، قال : { الطاغوت } وهو كل ما عبد من دون الله ، فلغوت من الطغيان وهو صيغة مبالغة ، وفيه مبالغة أخرى بجعل الذات عين المعنى ، ودل على عكس من تبعها بتعكيس حروفها ، ولما ذكر اجتنابها مطلقاً ترغيباً فيه ، بين خلاصة ما يجتنب لأجله مع التنفير منها بتأنيثها الذي أبصره المنيبون بتقوية الله لهم عليها حتى كانوا ذكراناً وهم إناثاً عكس ما تقدم للكفار في البقرة ، فقال مبدلاً منها بدل اشتمال : { أن يعبدوها } .

ولما ذكر اجتناب الشرك ، أتبعه التزام التوحيد فقال : { وأنابوا } أي رجعوا رجوعاً عظيماً أزالوا فيه النوبة وجعلوها إقبالة واحدة لا صرف فيها { إلى الله } أي المحيط بصفات الكمال فلا معدل عنه { لهم البشرى } في الدنيا على ألسنة الرسل وعند الموت تتلقاهم الملائكة فقد ربحوا ربحاً لا خسارة معه لأنهم انتفعوا بكلام الله فأخلصوا دينهم له فبشرهم - هكذا كان الأصل ، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً بالوصف فقال مسبباً عن عملهم ، صارفاً القول إلى التكلم بالإفراد تشريفاً للمبشرين الموصوفين : { فبشر عباد * } أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ} (17)

{ الطَّاغُوتَ } بوزن فعلوت ، من الطغيان ؛ وهو يطلق على الكاهن والشيطان والصنم وكل رأس في الضلال وعلى كل شيء معتد ومعبود من دون الله . وكذا سمي به الساحر والمارد من الجن وكل شقي مُضل صارف عن الحق والخير .

هذه الآية محكمة في المؤمنين إلى يوم القيامة . أولئك الذين يعبدون الله وحده ولا يعبدون أحدا من خلْقه سواء كان المعبود شيطانا من الجن أو الإنس . وذلك هو قوله : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا } الضمير عائد على الطاغوت ؛ لأنها مؤنث . وأن يعبدوها في محل نصب على البدل من الطاغوت ؛ أي اجتنبوا عبادة الطاغوت . والجمع طواغيت على اختلاف أجناسها ومسمياتها سواء في ذلك السحرة والكهنة أو الأصنام أو المردة من شياطين الجن وغير ذلك من وجوه الأنداد ورؤوس الكفر والضلال من عتاة البشر وطواغيتهم الذين يفتنون الناس ويضلونهم عن دينهم بمختلف الأسباب والوسائل . أولئك جميعا طواغيت يضلون الناس عن دين الله ويسوقونهم بالإغراء والإغواء سوقا إلى الكفر والضلال والمعاصي . فليس على المؤمنين في كل زمان إلا أن يحذروا الطواغيت الكثيرة المختلفة وأن يكونوا دائما على بينة من إضلالهم وإفسادهم فيبادروا على عبادة الله وحده وطاعته والإنابة إليه وأولئك { لَهُمُ الْبُشْرَى } يبشرهم الله بحسن الجزاء وتمام السعادة والفوز يوم القيامة .