تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

15

المفردات :

جزءا : ولدا ، إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، وعبر عن الولد بالجزء لأنه بضعة ممن ولد له ، كما قال شاعرهم :

إنما أولادنا أكبا *** دنا تمشي على الأرض

لكفور : لشديد الكفر .

مبين : ظاهر الكفر .

التفسير :

15- { وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين } .

في الآيات السابقة اعترفوا بأن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض ، ومع هذا الاعتراف له بمقام الألوهية ، وهذا يقتضي تنزيه الله عن النظير وعن المثيل ، وأن الخلق جميعا عباده ، إلا أنهم نسبوا الملائكة إليه ، وقالوا : الملائكة بنات الله ، وهذا كفر واضح ، فالخلق جميعا عبيده ، فلا يجعل جزءا منهم بناته .

قال تعالى : { ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى } . ( النجم : 21 ، 22 ) .

فهو سبحانه يناقشهم بمنطقهم ، ويفحمهم ، بأنه هو الخالق المبدع ، وعلى فرض أنه أراد أن يتخذ ولدا لاصطفى لنفسه الأفضل من الذرية ، وهم الذكور .

قال تعالى : { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار } . ( الزمر : 4 ) .

أخرج ابن المنذر عن قتادة قال : قال ناس من المنافقين : إن الله صاهر الجن ، فخرجت من بينهم الملائكة ، فنزل فيهم : { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا . . . } ( الزخرف : 19 ) .

والخلاصة : إن الإله سبحانه وتعالى منزه عن الصاحبة والولد ، وهو واحد متفرد بالملك .

قال تعالى : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبِّره تكبيرا } . ( الإسراء : 111 ) .

{ إن الإنسان لكفور مبين } .

إن جنس الكافر يعتقد اعتقادات باطلة ، وهي كفر واضح ، حيث تنسب لله تعالى ما لا يليق .

قال تعالى : { قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفؤا أحد } . ( الإخلاص : 1-4 ) .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

ولما علم بهذا الاعتراف منه وما تبعه من التقريب أن العالم كله متزاوج بتسخير بعضه لبعض ، فثبت أن خالقه مباين له لا يصح أصلاً أن يكون محتاجاً بوجه لأنه لا مثل له أصلاً ، كان موضع التعجيب من نسبتهم الولد إليه سبحانه : فقال لافتاً القول عن خطابهم للإعراض المؤذن بالغضب : { وجعلوا } أي ولئن سألتهم ليقولن كذا اللازم منه قطعاً لأنه لا مثل { له } والحال أنهم نسبوا له وصيروا بقولهم قبل سؤالك إياهم نسبة هم حاكمون بها حكماً لا يتمارون فيه كأنهم متمكنون من ذلك تمكن الجاعل فيه يجعله { من عباده } الذين أبدعهم كما أبدع غيرهم { جزءاً } أي ولداً هو لحصرهم إياه في الأنثى أحد قسمي الأولاد ، وكل ولد فهو جزء من والده ، ومن كان له جزء كان محتاجاً فلم يكن إلهاً وذلك لقولهم : الملائكة بنات الله ، فثبت بذلك طيش عقولهم وسخافة آرائهم .

ولما كان هذا في غاية الغلظة من الكفر ، قال مؤكداً لإنكارهم أن يكون عندهم كفر : { إن الإنسان } أي هذا النوع الذي هم بعضه { لكفور مبين } أي مبين الكفر في نفسه مناد عليها بالكفر بياناً لذلك لكل أحد هذا ما يقتضيه طبعه بما هو عليه من النقص بالشهوات والحظوظ ليبين فضل من حفظه الله بالعقل على من سواه من جميع المخلوقات بمجاهدته لعدو وهو بين جنبيه مع ظهور قدرة الله الباهرة بذلك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَجَعَلُواْ لَهُۥ مِنۡ عِبَادِهِۦ جُزۡءًاۚ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَكَفُورٞ مُّبِينٌ} (15)

قوله تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا إنّ الإنسان لكفور مبين 15 أم اتّخذ ممّا يخلق بنات وأصفاكم بالبنين 16 وإذا بشّر أحدهم بما ضرب للرّحمان مثلا ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم 17 أومن ينشّؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين 18 وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون 19 وقالوا لو شاء الرّحمان ما عبدناهم مّا لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يخرصون } .

ذلك تنديد شديد بالمشركين السفهاء الذين اتخذوا مع الله آلهة من عباده كالملائكة وزعموا أنها بنات الله . وهو قوله سبحانه : { وجعلوا له من عباده جزءا } والمراد بالجزء الولد ، فقد أثبت المشركون الولد لله . وبيان ذلك : أو ولد الرجل جزء منه . وفي الخبر : " فاطمة بضعة مني " فالولد ينفصل عن الوالد فهو جزء من أجزائه . فيكون المعنى : أنهم أثبتوا أو حكموا أن لله جزءا وذلك الجزء هو عبد من عباده وقصدوا به البنات . وهذا الزعم الفاسد الذي يهذي به الجاهليون السفهاء متصل بقوله : { ولئن سألتهم مّن خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } أي لئن سألت هؤلاء المشركين عمن خلق السموات والأرض ليعترفن بأنه الله ، فهم يقرون بأن الله الخالق . ومع ذلك جعلوا له جزءا ، أي ولدا أو شريكا لله أفلا يعلمون أن خالق السماوات والأرض غير محتاج لشيء يتقوّى به أو يستأنس به ؟ لأن هذا من صفات النقص والله منزه عن صفات النقص .

قوله : { إنّ الإنسان لكفور } المراد بالإنسان ههنا المشرك الموغل في الضلال والوهم والباطل ، فإنه شديد الجحد لنعم الله التي أنعمها عليه { مّبين } أي ظاهر الكفران لما منّ الله به عليه من النعم .