تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

36

المفردات :

القرن : الجيل من الناس .

بطشا : قوة وشدة ومنعة .

فنقبوا في البلاد : ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمكاسب ، ويقال لمن طوف في الأرض : نقب فيها ، قال امرؤ القيس :

فقد نقبت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب

محيص : مهرب وملجأ يلجأون إليه .

التفسير :

36- { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص } .

أي : كثيرا ما أهلكنا قبل مشركي مكة ، من أمم كانت أشد منهم قوة ومنعة ، وقد انتقلوا في البلاد وأكثروا السير فيها ، بالتجارة والسياحة والتغلب ، فما عصمهم ذلك من الهلاك ، حين أراد الله أن ينزله بساحتهم .

أي : لم يستطيعوا هربا ولا مناصا من الهلاك ، وأجدر بأهل مكة أن يعتبروا بهم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

{ هم أشد منهم بطشا } الضمير في { هم } : للقرون المتقدمة ، وفي { منهم } لكفار قريش .

{ فنقبوا في البلاد } أي : طافوا فيها وأصله دخولها من أنقابها أو من التنقب عن الأمر ، بمعنى البحث عنه .

{ هل من محيص } أي : قالوا هل من مهرب من الله أو من العذاب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

ولما ذكر سبحانه أول السورة تكذيبهم بالقدرة على اعترافهم بما يكذبهم في ذلك التكذيب ، ثم سلى وهدد بتكذيب الأمم السابقة ، وذكر قدرته عليهم ، وأتبعه الدلالة على كمال قدرته إلى أن ختم بالإشارة إلى أن قدرته لا نهاية لها ، ولا تحصر بحدّ ولا تحصى بعدّ ، رداً على أهل العناد وبدعة الاتحاد في قولهم " ليس في الإمكان أبدع مما كان " عطف على ما-{[61237]} قدرته بعد { فحق وعيد } من إهلاك تلك الأمم مما هو أعم منه بشموله جميع الزمان الماضي وأدل على شمول القدرة ، فقال : { وكم أهلكنا } أي بما لنا من العظمة . ولما كان المراد تعميم الإهلاك في جميع الأزمان لجميع الأمم ، نزع الجار بياناً لإحاطة القدرة فقال : { قبلهم } وزاد في دلالة التعميم فأثبته في قوله : { من قرن } أي جيل هم في غاية القوة ، وزاد في بيان القوة فقال : { هم } أي أولئك القرون بظواهرهم وبواطنهم { أشد منهم } أي من قريش { بطشاً } أي قوة وأخذاً لما يريدونه بالعنف{[61238]} والسطوة والشدّة ، وحذف الجار هنا يدل على أن كل من كان قبل قريش كانوا أقوى منهم ، وإثباته في ص يدل على أن المذكورين بالإهلاك هناك{[61239]} مع الاتصاف بالنداء المذكور بعض المهلكين لا كلهم . ولما أخبر سبحانه بأشديتهم سبب عنه قوله : { فنقبوا } أي أوقعوا النقب { في البلاد } بأن فتحو فيها الأبواب الحسية والمعنوية وخرقوا في أرجائها ما لم يقدر غيرهم عليه وبالغوا في السير في النقاب ، وهي طرق الجبال والطرق الضيقة فضلاً عن الواسعة وما في السهول ، بعقولهم الواسعة وآرائهم النافذة وطبائعهم القوية ، وبحثوا مع ذلك عن الأخبار ، وأخبروا غيرهم بما لم يصل إليهم ، وكان كل منهم نقاباً في ذلك أي علامة فيه فصارت له به مناقب أو مفاخر .

ولما كان التقدير : ولم يسلموا مع كثربة تنقيبهم وشدته من إهلاكنا بغوائل الزمان ونوازل الحدثان ، توجه سؤال كل سامع على ما في ذلك من العجائب والشدة والهول والمخاوف سؤال تنبيه للذاهل الغافل ، وتقريع وتبكيت للمعاند الجاهل ، بقوله : { هل من محيص * } أي معدل ومحيد ومهرب وإن دق ، من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا .


[61237]:زيد من مد.
[61238]:من مد، وفي الأصل: بالقبوة-كذا.
[61239]:من مد، وفي الأصل: هنا.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ} (36)

قوله تعالى : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص 36 إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد 37 ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب } .

ذلك تحذير من الله يخوف به المشركين مما حل بالمكذبين من قبلهم أولئك الذين جحدوا الرسالات وكذبوا باليوم الآخر فأتاهم العذاب والتدمير . وهو قوله : { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا } يعني أهلكنا من قبل هذه الأمة كثيرا من الضالين السابقين وقد كانوا أعظم قوة وبطشا من هؤلاء { فنقبوا في البلاد } أي طافوا البلاد مدبرين هاربين يلتمسون المفر والملجأ ليقيهم من العقاب { هل من محيص } أي انظروا هل كان لهم من مهرب من الموت أو العقاب .