تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الذاريات

أهداف سورة الذاريات

سورة مكية ، وآياتها 60 آية ، نزلت بعد سورة الأحقاف .

معاني السورة

بدأت السورة بهذا القسم :

{ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ( 1 ) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ( 2 ) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ( 3 ) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ( 4 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ( 5 ) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ( 6 ) } . ( الذاريات : 1- 6 ) .

وهي كلمات غير مطروقة وغير متداولة ، وقد سئل الإمام علي رضي الله عنه ، عن معنى قوله تعالى : { والذاريات ذروا } . فقال رضي الله عنه : هي الريح ، فسئل عن : { فالحاملات وقرا } . فقال : هي السحاب ، فسئل عن : { فالجاريات يسرا } . فقال : هي السفن ، فسئل عن : { فالمقسمات أمرا } . فقال : هي الملائكة .

{ والذاريات ذروا } . هي الريح التي تذرو التراب وغيره ، { فالحاملات وقرا } . أي : السحب الحاملة للمطر ،

والوقر : الحمل الثقيل ، { فالجاريات يسرا } . أي : السفن الجارية في البحر جريا سهلا ، { فالمقسمات أمرا } . أي : الملائكة التي تقسم وتوزع أمور الله من الأمطار والأرزاق وغيرها .

لقد أقسم الله بالريح وبالسحب وبالسفن وبالملائكة ، وفي هذا القسم ما يوحي بأن الرزق بيد الله ، فهو الذي يسوق السحاب ، وهو الذي يسخر الريح للسفن ، وهو الذي جعل الملائكة أصنافا تقسم الأمور ، فالخلق البديع المنظم وراءه قوة عليا مبدعة ، وهو سبحانه قد وعد الناس أن يجازيهم بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، ووعده واقع لا محالة .

{ والسماء ذات الحبك } . ( الذاريات : 7 ) . الحبك بضمتين : جمع حبيكة ، وهي الطريق ومدار الكواكب ، والمراد الطرائق التي هي مسير الأجرام السماوية من نجوم وكواكب ، يقسم الله بالسماء المتسقة المحكمة الترتيب ، بما فيها من نجوم وكواكب تسلك طريقها مسرعة في مجراتها العظيمة بنظام دقيق وإبداع شامل ، على أن المشركين يخوضون في حديث باطل وقول متناقض مضطرب ، فصنع الله محكم ، وعمل الكافرين باطل مضطرب فتراهم حينا يقولون عن النبي : إنه شاعر ، وتارة يقولون : ساحر ، ومرة ثالثة يقولون : مجنون ، وهذا دليل على التخبط وفساد الرأي .

وقد رسمت السورة صورة الكافرين يذوقون عذاب جهنم ، ويقال لهم : { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } . ( الذاريات : 14 ) .

أي : تعرضوا لعذاب النار ، وقد كنتم تستعجلون مجيئه استهزاء بأمره واستبعادا لوقوعه .

وعلى الضفة الأخرى ، وفي الصفحة المقابل ، يرتسم مشهد آخر لفريق آخر ، فريق مستيقن بالآخرة ، مستيقظ للعمل الصالح ، فريق المتقين الذين أدوا حقوق الله بالصلاة وقيام الليل ، وأدوا حقوق الناس بالزكاة والصدقة .

آيات الله في الأرض والسماء

تشير الآية العشرون إلى آثار قدرة الله في خلق الأرض ، فيقول سبحانه : { وفي الأرض آيات للموقنين } . ( الذاريات : 20 ) . وإذا تأملنا مضمون هذه الآية وجدنا أن هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته ، هذه الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، ولو اختلت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكثيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها . . ولو تغير حجمها صغرا أو كبرا ، لو تغير وضعها من الشمس قربا أو بعدا ، لو تغير حجم الشمس ودرجة حرارتها ، لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا ، لو تغيرت حركتها حول نفسها أو حول الشمس سرعة أو بطئا ، لو تغير حجم القمر أو بعده عنها ، لو تغيرت نسبة الماء إلى اليابس فيها زيادة أو نقصا . . لو . . لو . . لو ، إلى آلاف الموافقات العجيبة المعروفة والمجهولة التي تتحكم في صلاحيتها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته ، أليست هذه آية أو آيات معروفة في هذا المعرض الإلهي ؟ .

( وتنوع مشاهد هذه الأرض ومناظرها ، حيثما امتد الطرف ، وحيثما تنقلت القدم ، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفذ : من واد وجبل ، ووهاد وبطاح ، وبحار وبحيرات ، وأنهار وغدران ، وقطع متجاورات ، وجنات وأعناب ، وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان . . وكل مشهد من هذه المشاهد تتناوله يد الإبداع والتغيير الدائبة التي لا تفتر عن الإبداع والتغيير )1 .

{ وفي أنفسكم أفلا تبصرون } . ( الذاريات : 21 ) .

خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وشق له السمع والبصر ، وزوده بالحواس المتعددة ووسائل الإدراك المختلفة .

( وحيثما وقف الإنسان يتأمل عجائب نفسه التقى بأسرار تدهش وتحير ، تكوين أعضائه وتوزيعها ، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف ، عملية الهضم والامتصاص ، عملية التنفس والاحتراق ، دورة الدم في القلب والعروق ، الجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم ، الغدد وإفرازها وعلاقتها بنمو الجسد وانتظامه ، تناسق هذه الأجهزة كلها وتعاونها وتجاوبها الكامل الدقيق ، وكل عجيبة من هذه تنطوي تحتها عجائب ، وفي كل عضو وكل جزء من عضو خارقة تحير الألباب )2 .

{ وفي السماء رزقكم وما توعدون } . ( الذاريات : 22 ) .

فبيد الله الخلق والرزق والهدى والضلال ، وأرزاق السماء تشمل الأرزاق المادية والمعنوية .

( وفي السماء أسباب أقواتكم ، فالظواهر الفلكية ، وجريان الشموس والكواكب وتوابعها ، واختلاف الليل والنهار ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ، وبث فيها من كل دابة ، وتصريف الرياح ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، كل هذه الظواهر ذللها الله لخدمة الإنسان ، فليس الرزق موقوفا على شيء يتعلق بالأرض وحدها ، بل الأمر كله لله تعالى ، يقبض ويبسط ، وإليه المآب )3 .

ثم يعقب الله بالقسم : بحق رب الأرض والسماء إن هذا الأمر لحق مثل نطقكم ، بل تشكون في أنكم تنطقون ؟

قصة إبراهيم

يشتمل القطاع الثاني من سورة ( الذاريات ) على الإشارة إلى قصص إبراهيم ولوط وموسى ، وعاد قوم هود ، وثمود قوم صالح ، ثم آية واحدة عن قوم نوح ، وهذا القصص مرتبط بما قبله ، ومرتبط بما بعده في سياق السورة .

وإبراهيم أبو البشر اتخذه الله خليلا ، وأرسل إليه ملائكة مكرمين ، فأكرم الخليل وفادتهم ، وقرب لهم عجلا سمينا ودعاهم للأكل منه ، ولكنهم أمسكوا عن الطعام ، فخاف منهم إبراهيم فلما شاهدوا خوفه أخبروه بأنهم ملائكة من السماء أرسلهم الله إليه ، ثم بشروه بغلام حليم .

وأقبلت زوجته ، وقد استولى عليها هول المفاجأة ، فضربت وجهها بأطراف أصابعها ، وصاحت متعجبة من الحمل وهي عجوز عقيم ، فأخبرتها الملائكة بأنه لا وجه للعجب فذلك أمر الله ، وهو الحكيم في أعماله ، العليم بعباده .

قصة لوط

واتجهت الملائكة بعد ذلك إلى لوط عليه السلام ، فلما رآهم لوط أنكرهم وضاق بهم ذرعا ، فقالت له الملائكة : يا لوط ، إنا رسل ربك ، جئنا لإنقاذك ومن معك من المؤمنين ، فأرسل بأهلك في ظلام الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فقد حقت عليها كلمة العذاب مثل هؤلاء الظالمين .

ولم تجد الملائكة في قرى قوم لوط غير أهل بيت واحد من المسلمين هو لوط وابنتاه .

ولما خرج لوط وابنتاه ، جعل الله ديارهم عاليها سافلها ، وساق إليهم عاصفة رعدية أمطرتهم بحجارة مسمومة ، استأصلت شأفتهم وتركتهم أثرا بعد عين ، وجعلهم الله عظة وعبرة للمعتبرين .

إشارات إلى قصص الأنبياء

أشارت الآيات ( 38- 46 ) إلى العبرة والعظة من قصة موسى ، ومن قصص غيره من الأنبياء في لمحة عاجلة .

لقد أرسل الله موسى -ومعه سلطان الهيبة وجلال النبوة- إلى فرعون وملئه ، فأعرض فرعون عن موسى واتهمه بالسحر والجنون ، فأغرق الله فرعون وجنده في البحر ، وألبسه ثوب الخزي والندم .

وآية أخرى في عاد قوم نبي الله هود ، حين كذبوا نبيهم فأرسل الله عليهم ريحا عاتية تحمل العذاب والدمار .

وآية ثالثة في ثمود ، أمهلهم الله ثلاثة أيام ، ثم أرسل عليهم صاعقة فأصبحوا هالكين .

والحجارة التي أرسلت على قوم لوط ، والريح التي أرسلت على عاد ، والصاعقة التي أرسلت على ثمود ، كلها قوى كونية مدبرة بأمر الله ، مسخرة بمشيئته ونواميسه ، يسلطها على من يشاء في إطار تلك النواميس ، فتؤدي دورها الذي يكلفها الله كأي جند من جند الله .

آية رابعة في قوم نوح ، فقد أهلكوا وأغرقوا لفسوقهم وكفرهم وخروجهم على طاعة الله .

وللتنبيه إلى بدائع صنعه إيقاظا للعاطفة الدينية ، عاد فذكر أنه رفع السماء ووسعها ، وخلق الأرض ومهدها ، وأعدها لما عليها من الكائنات ، ومن كل شيء في هذه الأرض خلقنا ذكرا وأنثى ليكون ذلك وسيلة للعظة والاعتبار .

ثم يحث القرآن الناس على أن يتخلصوا من آثار المادة والهوى والشيطان ، فرارا بدينهم ، وطمعا في رحمة خالقهم ، ورغبة في حماه وفضله : { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . ( الذاريات : 50 ) .

وتكشف الآيات عن طبيعة المعاندين في جميع العصور ، فقد كذبوا الرسل واتهموهم بالجنون أو بالسحر كأنما وصى السابق منهم اللاحق ، وكأن الكفر في طبيعته ملة واحدة ، والرسالات كلها فكرة واحدة ، فمن كذب برسول واحد فكأنما كذب برسل الله أجمعين .

{ كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون } .

الذاريات : ( 52 ، 53 ) .

ختام السورة

هذه السورة تربط القلب البشري بالله ، وترشده إلى عظيم صنعه ، وفي ختام السورة يؤكد الله هذا المعنى فيبين أنه ما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه ويوحدوه ويؤمنوا به ، فهو سبحانه وتعالى غني بذاته ، وهم في حاجة وافتقار إليه .

إن معنى العبادة هي الخلافة في الأرض ، وهي غاية الوجود الإنساني ، وهي أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ، وتتمثل حقيقة العبادة في أمرين رئيسيين :

الأول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس ، أي استقرار الشعور بأنه ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ، وإلا رب واحد والكل له عبيد .

والثاني : هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة .

بهذا وذاك يتحقق معنى العبادة ، ويصبح العمل كالشعائر ، والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضا بقدر الله ، كلها عبادة ، وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ، وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .

والمؤمن الحق هو الحريص على أداء واجباته ومرضاة ربه ، وهو لا يعني نفسه بأداء الواجبات تحقيقا لمعنى العبادة في الأداء ، أما الغايات فموكولة لله يأتي بها وفق قدره الذي يريده .

إن الله تعالى لم يخلق الجن والإنس ليستعين بهم لجلب منفعة لذاته أو لدفع مضرة ، وما يريد الله منهم أن يرزقوا أحدا من خلقه أو يطعموه ، إن الله سبحانه وتعالى هو الكفيل برزقهم ، والمتفضل عليهم بما يقوم بمعيشتهم ، وهو سبحانه ذو القدرة والقوة ، وهو الغالب على أمره فلا يعجزه شيء .

وفي ضوء هذه الحقيقة ينذر الذين ظلموا فلم يؤمنوا بأن لهم نصيبا من العذاب مثل نصيب من سبقهم من الظالمين ، فالله يمهل ولا يهمل ، وتختتم السورة بهذا الإنذار الأخير : { فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون * فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } . ( الذاريات : 59 ، 60 ) .

المعنى الإجمالي للسورة

قال الفيروزبادي :

معظم مقصود سورة الذاريات ما يأتي : القسم بأن البعث والقيامة حق ، والإشارة إلى عذاب أهل الضلالة ، وثواب أرباب الهداية ، وحجة الوحدانية ، وكرامة إبراهيم في باب الضيافة ، وهلاك قوم لوط وفرعون وقومه لمخالفتهم أمر الله ، وتدمير عاد وثمود وقوم نوح وخسرانهم ، وخلق السماوات والأرض للنفع والإفادة ، وزوجية المخلوقات للدلالة على قدرة الخالق ، وتخليق الخلق لأجل العبادة ، واستحقاق المنكرين للعذاب والعقوبة4 .

1

المفردات :

الذاريات : الرياح تذرو التراب وغيره ، أي : تفرقه .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 – { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا ( 1 ) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ( 2 ) فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا ( 3 ) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا ( 4 ) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ( 5 ) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ( 6 ) } .

هذا القسم يأخذ بالألباب ، في رشاقة ويسر وتناسق ، وقد ثبت من غير وجه عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ، أنه صعد منبر الكوفة ، فقال : لا تسألوني عن آية في كتاب الله ، ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك ، فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ، ما معنى قوله تعالى :

{ والذاريات ذروا } . قال علي : الريح .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها ستون

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والذاريات ذروا . . } أقسم تعالى بالرياح التي تذرو التراب وغيره لقوتها ، ثم بالسحب الحاملات للأمطار ، ثم بالسفن الجاريات جريا سهلا في البحار ، ثم بالملائكة المقسمات الأمور المقدرة بين الخلق على ما أمرت به – على أن ما وعدوا به من البعث موعود صادق ، وأن الجزاء يوم القيامة محقق واقع . وقد رتبت هذه الأقسام باعتبار تفاوتها في الدلالة على كمال قدرته تعالى ؛ وإن كانت كلها من أعظم دلائل القدرة على البعث . والمقصود بها : أن من قدر على هذه الأمور العجيبة ، يقدر على إعادة ما أنشأه أولا . " والذاريات " من ذرت الريح التراب تذره ذروا ، وتذريه ذريا – من بابي عدا ورمى – سفته وطيرته . و " ذروا " مصدر مؤكد . " وقرا " أي حملا وثقلا ، مفعول به . " يسرا " أي جريا ذا يسر وسهولة إلى حيث سيرت ؛ صفة مصدر محذوف بتقدير مضاف . " أمرا " مفعول به .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات مكية وآياتها ستون ، نزلت بعد سورة الأحقاف . وموضوعها كموضوع السور المكية : أصول العقيدة والاعتقاد بوحدانية الله ، وأنه هو الخالق الرازق ، المحيي والمميت ، والمتصرف في الكون بما يشاء .

وتبدأ السورة بالقسَم بأربعة أشياء هي : الرياح ، والسحب ، والسفن ، والملائكة ، على صِدق البعث ووقوع الجزاء . ثم تردف بقسم آخر على اضطراب المنكرين فيما يقولونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الكريم . فيُقسم تعالى بالسماء ذات الحُبُك المنسّقة المحكمة البناء والتركيب- كتنسيق الزرَد المتشابك المتداخل الحلقات- على اضطراب أقوالهم ، وأنهم يعيشون في أوهام وظنون في أمر البعث .

ثم تنتقل السورة إلى إنذار المنكرين بسوء مآلهم في الآخرة ، وتصوير ما أعد الله للمتقين فيها جزاء ما قدّموا من أعمال صالحة في الدنيا .

ثم توجه الأنظار إلى التأمل في آيات الله في هذا الكون الكبير العجيب ، وفي الأنفس وما فيها من عجائب الصنع ولطائف الخلق ، وأن الرزق مؤمّن للجميع ، { فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } لا شك في ذلك ولا ريب .

ثم تحدثت عن قصة إبراهيم مع ضيوفه من الملائكة الذين بعثهم الله لإهلاك المكذبين من قوم لوط ، وبشروا إبراهيم بغلام عليم من زوجته التي كانت عقيما . ثم تعرض السورة لأحوال بعض الأمم وما أصابهم من الهلاك بتكذيبهم لأنبيائهم ، مثل قوم نوح وعاد وفرعون وثمود . وتشير بعد ذلك بإجمال إلى بعض الآيات الكونية لتحث الناس على الرجوع إلى الله ، وإفراده بالعبادة ، وتخاطب الرسول الكريم { فتولّ عنهم ما أنت بمَلوم ، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } . وفي هذا تسلية للرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه . وفي الختام تذكر السورة الغاية من خلق الجن والإنس ، وهي العبادة ، وأن الله غني عنهم جميعا { ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يُطعمون } . ثم يجيء الإنذار للمكذبين { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } .

الذاريات : الرياح تذرو الترابَ وغيره ، وهي تحمل معها الحياة لأنها تسوق السحاب ، كما تحمل الدمار أحيانا .

أقسَم الله تعالى بهذه الأشياء : بالرياح المثيراتِ للتراب وغيره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الذاريات

مكية وآياتها ستون

قوله تعالى : { والذاريات ذرواً } يعني : الرياح التي تذر التراب ذرواً ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرت .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الذاريات{[1]}

قصودها الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحا وبشرت به تلويحا ، ولا سيما آخرها{[2]}من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة ، واسمها الذاريات ظاهر في ذلك بملاحظة جواب القسم فإنه مع القسم لشدة الارتباط كالآية الواحدة{[3]} وإن كان خمسا ، والتعبير عن الرياح بالذاريات أتم إشارة إلى ذلك ، فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه وإن كانت موجودة معهم كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه موجودة ، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها ، والريح من شأنها الذرء وهو التفريق ، فإذا أراد الله جمعت فكان ما أراد ، فإنها تفرق الأبخرة ، فإذا أراد الله سبحانه جمعها فحملها ما أوجد فيها فأوقرها به فأجراها إجراء سهلا ، فقسم منها ما أراد تارة برقا وأخرى رعدا ، يصل صليل الحديد على الحديد ، أو الحجر على مثله مع لطافة السحاب ، كل ما يشاهد{[4]} فيه من الأسباب ، وآونة مطرا شديد الانصباب ، ومرة {[5]} بردا ومرة ثلجا{[6]} يرجى ويهاب ، وحينا صواعق ونيرانا لها أي التهاب ، ووقتا جواهر ومرجانا بديعة الإعجاب ، فتكون مرة سرورا ورضوانا ، وأخرى غموما وأحزانا ، وغبنا وخسرانا ، على أنهم أخيل الناس في بعض ذلك ، يعرفون السحاب الذي يخيل المطر والذي لا يخيله والذي مطره دان ، والذي لم يأن له أن يمطر-إلى غير ذلك من أشياء ذكرها أهل الأدب وحملها أهل اللغة عنهم ، وكل ذلك بتصريف الملائكة عن أمر الله ، ولذلك-والله أعلم- سن أن يقال عند سماع{[7]} الرعد{[8]} : {[9]} سبحان الله{[10]} سبوح قدوس ، بيانا لأن المصرف الحق هو الله تعالى " رب الملائكة " أي الذين أقيموا لهذا " والروح " الذي يحمله هذا الجسم من مطر أو نار أو غيرهما والله الموفق { بسم الله } المحيط بصفات الكمال فهو لا يخلف الميعاد { الرحمن } الذي عم الخلائق بنعمة الإيجاد { الرحيم } الذي خص من اختاره بالتوفيق لما يرضاه من المراد .

لما{[61282]} ختم سبحانه ق بالتذكير بالوعيد ، افتتح هذه بالقسم البالغ على صدقه ، فقال مناسباً {[61283]}بين القسم{[61284]} والمقسم عليه : { والذاريات } أي الرياح التي من شأنها الإطارة والرمي والتفريق والإذهاب ، وأكد ذلك بقوله : { ذرواً * } أي بما تصرفها فيه الملائكة ، قال الأصبهاني : الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش ، فتهيج من ثم فتقع بعجلة الشمس ثم تهيج{[61285]} عن عجلة الشمس فتقع برؤوس الجبال ، ثم من رؤوس الجبال تقع في البر ، فأما الشمال {[61286]}فإنها تمر{[61287]} تحت عدن فتأخذ من عرف طيبها فتمر على أرواح الصديقين ، ثم تأخذ حدها من كرسي بنات نعش إلى مغرب الشمس ، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل ، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس ، وتأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش ، فلا تدخل هذه في حد هذه ولا هذه في حد هذه-{[61288]} .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[61282]:من مد، وفي الأصل: ولما.
[61283]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61284]:من مد، وفي الأصل: للقسم.
[61285]:زيد في مد: فتقع.
[61286]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61287]:من مد، وفي الأصل: فإن.
[61288]:زيد من مد.