29- { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكون من الأسفلين } .
رغب الكفار في الانتقام ممن زين لهم الكفر والمعصية ، فقالوا : ربنا أرنا من أضلنا من فريقي شياطين الجن والإنس ، لكي ندوسهم بأقدامنا ، تشفّيا وانتقاما منهم ، وليكون الفريقان من الأذلين المهانين في الدرك الأسفل من النار ، وهي أشد عذاب جهنم لأنها درك المنافقين .
وقد أفاد القرآن الكريم في موضع آخر أن العذاب يضاعف للجميع : { لكل ضعف ولكن لا تعلمون } . ( الأعراف : 38 ) .
وقال سبحانه : { الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس } . ( الناس : 5 ، 6 ) .
ثم بيّن الله تعالى أنهم حين وقوعهم في العذاب الشديد يطلُبون الانتقامَ ممن أضلّوهم من شياطين الإنس والجن ، ليطأوهم بأقدامهم وينتقموا منهم شرّ انتقام ، ولكنّ كلّ ذلك لا يُجديهم ولا يخفّف عنهم العذاب . وهكذا يصدُقُ عليهم قوله تعالى : { الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين } [ الزخرف : 67 ] .
قوله تعالى : " وقال الذين كفروا " يعني في النار فذكره بلفظ الماضي والمراد المستقبل " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس " يعني إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه . عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ، ويشهد لهذا القول الحديث المرفوع : ( ما من مسلم يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من ذنبه لأنه أول من سن القتل ) خرجه الترمذي ، وقيل : هو بمعنى الجنس وبني على التثنية لاختلاف الجنسين . " نجعلهما تحت أقدامنا " سألوا ذلك حتى يشتفوا منهم بأن يجعلوهم تحت أقدامهم " ليكونا من الأسفلين " في النار وهو الدرك الأسفل سألوا أن يضعف الله عذاب من كان سبب ضلالتهم من الجن والإنس . وقرأ ابن محيصن والسوسي عن أبي عمرو وابن عامر وأبو بكر والمفضل " أرنا " بإسكان الراء ، وعن أبي عمرو أيضا باختلاسها . وأشبع الباقون كسرتها وقد تقدم في " الأعراف " {[13437]} .
ولما تراءى لهم أن الذي أوجب لهم هذا السوء جلودهم بالشهادة عليهم وقرناؤهم بإضلالهم لهم وكان التباغض والعداوة قد وقعت بين الجميع ، فصار تمني كل للآخر السوء زيادة في عذابهم ، وكانت مساءة جلودهم مساءتهم ، خصوا القرناء بإرادة الانتقام منهم ، فحكى سبحانه قولهم بقوله عطفاً على { وقالوا لجلودهم } أو على ما تقديره : فعلموا حينئذ أنهم كانوا على ضلال لتقصيرهم في النظر وتقليدهم لغيرهم : { وقال الذين كفروا } أي غطوا أنوار عقولهم داعين بما لو يسمع لهم ، فهو زيادة في عقوبتهم ، وحكايته لنا وعظ وتحذير : { ربنا } أي أيها الذي لم يقطع قط إحسانه عنا { أرنا } الصنفين { اللّذين أضلاّنا } عن المنهج الموصل إلى محل الرضوان { من الجن والإنس } المزينين لنا ارتكاب السوء خفية وجهراً ، قرأ الجماعة بكسر الراء من أرنا ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب والسوسي عن أبي عمرو وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء هنا خاصة .
قال الأصبهاني : يحكى عن الخليل أنك إذا قلت : أرني ثوبك - بالكسر فالمعنى بصرنيه ، وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء ، ومعناه أعطني ثوبك ، ونظيره اشتهار الإيتاء في معنى الإعطاء ، وأصله الإحضار - انتهى . { نجعلهما تحت أقدامنا } في النار إذلالاً لهما كما جعلانا تحت أمرهما { ليكونا من الأسفلين * } أي من أهل الدرك الأسفل وممن هو دوننا كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال بإتباعنا لهما فيما أراد بنا ، وفي الآخرة بهذا المال ، والظاهر أن المراد أن كل أحد يتمنى أن يعرف من أضله من القبيلتين ليفعل بهم ذلك إن قدر عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.