المفتون : المجنون لأنه فتن ، أي ابتلى بالجنون .
فستبصر ويبصرون* بأييّكم المفتون .
فسترى أيها الرسول الكريم ويرون من منكم المفتون المجنون ، من الذي سينهزم في بدر ، وفي فتح مكة ، ومن الذي سينتصر .
وأغلب الظنّ أن أهل مكة حين اتهموه صلى الله عليه وسلم بالجنون ، لم يكونوا يقصدون ذهاب العقل ، بل كانوا يذهبون إلى أن الجن تزيّن له ما يقول وتقدمه له ، فيخلط كلام الجن بكلامه ، كما ادعى العرب أن لكل شاعر شيطانا من الجنّ يعينه ويمده بالشعر .
قال تعالى : وما تنزّلت به الشياطين* وما ينبغي لهم وما يستطيعون* إنهم عن السمع لمعزولون . ( الشعراء : 210 -212 ) .
وقال تعالى : نزل به الروح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين . ( الشعراء : 193 ، 194 ) .
" بأيكم المفتون " الباء زائدة ، أي فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . أي الذي فتن بالجنون ؛ كقوله تعالى : " تنبت بالدهن{[15227]} " [ المؤمنون : 20 ] و " يشرب بها عباد الله{[15228]} " [ الإنسان : 6 ] . وهذا قول قتادة وأبي عبيد والأخفش . وقال الراجز :
نحن بنو جَعْدَة أصحاب الفَلَجْ *** نضربُ بالسيف ونرجو بالفَرَج{[15229]}
وقيل : الباء ليست بزائدة ، والمعنى : " بأيكم المفتون " أي الفتنة . وهو مصدر على وزن المفعول ، ويكون معناه الفُتُون ، كما قالوا : ما لفلان مجلود ولا معقول ، أي عقل ولا جلادة . وقاله الحسن والضحاك وابن عباس . وقال الراعي :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه *** لحما ولا لفؤاده معقولا
أي عقلا . وقيل في الكلام تقدير حذف مضاف ، والمعنى : بأيكم فتنة المفتون . وقال الفراء : الباء بمعنى في ، أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين ، أم بالفرقة الأخرى . والمفتون : المجنون الذي فتنه الشيطان . وقيل : المفتون المعذب . من قول العرب : فتنت الذهب بالنار إذا حميته . ومنه قوله تعالى : " يوم هم على النار يفتنون{[15230]} " [ الذاريات : 13 ] أي يعذبون .
ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل . وقيل : المفتون هو الشيطان ؛ لأنه مفتون في دينه . وكانوا يقولون : إن به شيطانا ، وعنوا بالمجنون هذا ، فقال الله تعالى : فسيعلمون غدا بأيهم المجنون ، أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل .
واختلف في الباء في قوله : { بأيكم } على أربعة أقوال :
الثاني : أنها غير زائدة ، والمعنى بأيكم الفتنة ، فأوقع المفتون موقع الفتنة ، كقولهم ماله معقول أي : عقل .
الثالث : أي : الباء بمعنى في ، والمعنى في أي فريق منكم المفتون ، واستحسن ابن عطية هذا .
الرابع : أن المعنى بأيكم فتنة المفتون ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه .
ولما كان صلى الله عليه وسلم هو ومن معه فريقاً والأعداء فريقاً ، وقد أبهم آخر الملك الضال في الفريقين قال : { بأييكم } أي في أي فريقيكم{[67400]} { المفتون * } أي{[67401]} بالضلال والجنون{[67402]} حتى صد عن الهدى{[67403]} ودين الحق ، أو بأيكم الفتنة بالجنون وغيره على أن يكون مصدر فتن ، قال الرازي : مصدر مثل المفتون وهو الجنون بلغة قريش ، كما يقال : ما له معقول وليس له مجلود ، أي عقل وجلادة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.