برسوله : محمد صلى الله عليه وسلم .
كفلين : نصيبين ، والكفل : الحظّ والنصيب .
28- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
نلاحظ أن سورة الحديد تطرق القلوب طرقا متتابعا مفيدا ، وتدعو إلى الإيمان ، وتحثّ على الخشوع لذكر الله ، وتحث على اتباع الرسل ، والجهاد في سبيل الله .
وفي الآيتين الأخيرتين من السورة – أي في هذه الآية والتي تليها – نجد دعوة راشدة تقول : يا أيها الذين آمنوا بالله ، الزموا التقوى ومراقبة الله ، والتزام أوامره ، واجتناب نواهيه ، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم يؤتكم الله نصيبين من رحمته الواسعة ، ونصيب واحد نعمة كبيرة ، لكن الله جعل للمؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبين وافرين من رحمته .
{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ . . . }
إنه فضل وراء فضل ، والمعنى : يهبكم الله نورا لهدايتكم إلى الطريق القويم ، والصراط المستقيم ، والإنسان مهما أوتي من العقل محتاج إلى هداية الله ونوره وفضله .
يجعل لكم نورا تمشون به على الصراط تهتدون به في الآخرة ، وهدى تبصرون به العمى والجهالة في الدنيا .
{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ . . . }
وهي هبة لدنيّة يودعها الله القلوب التي تستشعر تقواه ، وتؤمن حق الإيمان برسوله ، هبة تنير تلك القلوب فتشرق ، وترى الحقيقة من وراء الحجب والحواجز ، ومن وراء الأشكال والمظاهر ، ولا تلتوي بها الطريق . . نُورًا تَمْشُونَ بِهِ . . .
{ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
ويغفر لكم ما أسلفتم من المعاصي ، فالإنسان مهما وُهب من النور إنسان يدركه التقصير ، فيحتاج إلى المغفرة فتدركه رحمة الله . أه .
{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
{ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } .
كان أهل الكتاب يقولون : إن سلسلة الرسل كلها في نسل يعقوب – الملقب بإسرائيل – والكتاب والشرع ليس إلا لنا ، والله خصّنا بهذه المنزلة من بين جميع العالمين .
أخرج ابن جرير ، عن قتادة قال : بلغنا أنه لما نزلت :
{ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ . . . } حسد أهل الكتاب المسلمين عليها ، فأنزل الله : { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ . . . }
وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد ، قال : قالت اليهود : يوشك أن يخرج منا نبي فيقطع الأيدي والأرجل ، فلما خرج من العرب كفروا ، فأنزل الله : لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ . . .
يعني بالفضل : النبوة ، وتفيد آيات القرآن الكريم أن أهل الكتاب كانوا يزعمون أنهم شعب الله المختار ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه :
{ وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا . . . } ( البقرة : 135 ) .
{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى . . . } ( البقرة : 111 ) .
فبيّن القرآن أن النبوة والرسالة والفضل الإلهي منحة من الله يمنحها لمن يشاء ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته .
وقد ضاعف الله الأجر والثواب ، والنور والمغفرة للمؤمنين الذين صدقوا في إيمانهم بالله ، وصدّقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فجعل لهم أجران ، حتى يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على ردّ أي شيء من فضل الله ، وأن النبوة والرسالة ، والفضل الإلهي بيد الله ، يعطيه من يشاء من عباده ، وقد اختار الله محمدا صلى الله عليه وسلم لرسالته ، وجعله الرسول الخاتم ، وأنزل عليه آخر كتبه ، وأعطى لأمته ثوابا مضاعفا ، فضلا منه ونعمة ، والله تعالى ، ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ . العطاء الواسع والجزاء الأوفى .
أخرج البخاري ، ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي فله أجران ، وعبد مملوك أدّى حق الله وحق مواليه فله أجران ، ورجل أدّب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوّجها فله أجران " 28 .
وقد ذكر بعض المفسرين أن الله تعالى لما أنزل الآيات ( 52 ، 53 ، 54 ) من سورة القصص ، وفيها ما يفيد أن أهل الكتاب لهم أجران ، حيث قال تعالى : { أولئك يؤتون أجرهم مرّتين بما صبروا . . . } ( القصص : 54 ) .
قالوا : يا معشر المسلمين ، أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم .
فأنزل الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . ردا على قولهم : { ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم } .
وأفاد الزمخشري في تفسير الكشاف :
أن الله أعطى المسلمين أجرين لأنهم آمنوا بالرسل السابقين جميعا فلهم أجر ، وآمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلهم أجر ثان .
وكذلك أهل الكتاب : إذا آمنوا بأنبيائهم وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلهم أجران ، فإذا لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد حُرموا من كل أجر ، لأن رسلهم بشرت بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر القرآن ذلك على لسان عيسى : { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدّقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين } . ( الصف : 6 ) .
فإذا لم يؤمن الكتابيّ بمحمد صلى الله عليه وسلم فإنه يُحرم كل أجر ، حيث خالف وصية نبيه ، ثم لكفره بمحمد رسول الله وخاتم النبيين .
ونتذكر هنا كلام أصحاب علوم القرآن : ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) ، فنجد أن الآية عامة تشمل المسلمين وتشمل أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فلهم جميعا كفلان ونصيبان من رحمة الله وفضله ، والله ذو الفضل العظيم .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ . أي : ضعفين . مِنْ رَحْمَتِهِ . وزادهم : وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ . . . يعني : هدى يتبصر به من العمى والجهالة وَيَغْفِرْ لَكُمْ . ففضّلهم بالنور والمغفرة .
وهذه الآية كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } . ( الأنفال : 29 ) .
ومما يؤيد هذا القول ما رواه الإمام أحمد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا ، فقال : من يعمل لي من صلاة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت اليهود ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة الظهر إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ ألا فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ ألا فأنتم الذين عملتم ، فغضبت النصارى واليهود ، وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ، قال : هل ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء " 29
وروى البخاري عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استعمل قوما يعملون له عملا ، يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار ، فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل ، فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا ، فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم ، فقال : أكملوا يومكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر ، قالوا : ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه ، فقال : أكملوا بقية عملكم ، فإنما بقي من النهار شيء يسير ، فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس فاستكملوا أجرة الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور " 30
ولهذا قال تعالى : { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } .
{ 28-29 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
وهذا الخطاب ، يحتمل أنه [ خطاب ] لأهل الكتاب الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام ، يأمرهم أن يعملوا بمقتضى إيمانهم ، بأن يتقوا الله فيتركوا معاصيه ، ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم إن فعلوا ذلك أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } أي : نصيبين من الأجر نصيب على إيمانهم بالأنبياء الأقدمين ، ونصيب على إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم .
ويحتمل أن يكون الأمر عاما يدخل فيه أهل الكتاب وغيرهم ، وهذا الظاهر ، وأن الله أمرهم بالإيمان والتقوى الذي يدخل فيه جميع الدين ، ظاهره وباطنه ، أصوله وفروعه ، وأنهم إن امتثلوا هذا الأمر العظيم ، أعطاهم الله { كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } لا يعلم وصفهما وقدرهما إلا الله تعالى أجر على الإيمان ، وأجر على التقوى ، أو أجر على امتثال الأوامر ، وأجر على اجتناب النواهي ، أو أن التثنية المراد بها تكرار الإيتاء مرة بعد أخرى .
{ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ } أي : يعطيكم علما وهدى ونورا تمشون به في ظلمات الجهل ، ويغفر لكم السيئات .
{ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فلا يستكثر{[998]} هذا الثواب على فضل ذي الفضل العظيم ، الذي عم فضله أهل السماوات والأرض ، فلا يخلو مخلوق من فضله طرفة عين ولا أقل من ذلك .
{ يا أيها الذين آمنوا } بالتوراة والانجيل { اتقوا الله وآمنوا برسوله } محمد عليه السلام { يؤتكم كفلين } نصيبين { من رحمته } نصيبا بايمانكم الأول ونصيبا بايمانكم بمحمد عليه السلام وكتابه { ويجعل لكم نورا تمشون به } في الآخرة على الصراط { ويغفر لكم } وعدهم الله هذه الأشياء كلها على الايمان بمحمد عليه السلام
{ وآمنوا برسوله } إن قيل : كيف خاطب الذين آمنوا وأمرهم بالإيمان وتحصيل الحاصل لا ينبغي فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن معنى { آمنوا } دوموا على الإيمان واثبتوا عليه .
والآخر : أنه خطاب لأهل الكتاب فالمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويؤيد هذا قوله : { يؤتكم كفلين من رحمته } أي : نصيبين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " الحديث . { ويجعل لكم نورا تمشون به } يحتمل أن يريد النور الذي يسعى بين أيدي المؤمنين يوم القيامة أو يكون عبارة عن الهدى ويؤيد الأول أنه مذكور في هذه السورة ، ويؤيد الثاني قوله : وجعلنا له نورا يمشي به في الناس .
ولما قرر سبحانه أن الرسل دعاة للحق إلى سيدهم طوعاً أو كرهاً بالكتاب والحديد ، وقرر أن السعادة كلها في اتباعهم ، وأن البدع لا تأتي بخير وإن زين الشيطان أمرها وخيل أنه خير ، وأن أصحاب الذي كان نسخ شريعة{[62844]} من قبله ابتدعوا بدعة حسنة فوكلوا إليها ففسق أكثرهم ، فاقتضى ذلك إرسال من ينسخ كل شريعة{[62845]} تقدمته نسخاً لا زوال له لأنه لا نبي بعده ونهى عن البدع نهياً لم يتقدمه أحد إلى مثله ، أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بذلك إقراراً صحيحاً بنبي مما تقدم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم { اتقوا الله } أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه - لأنه الملك الأعظم - وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره ، فكونوا على حذر من{[62846]} أن يسلبكم ما وهبكم ، فاتبعوا الرسول تسلموا ، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا { وآمنوا برسوله } أي الذي لا رسول له الآن غيره ، إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله فإنه{[62847]} لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله ، وبأن تثبتوا على الإيمان به ، وتضموا الإيمان به إلى الإيمان بمن تقدمه يا أهل الكتاب ، لأن رسالته عامة ، لقد نسخ جميع ما تقدمه من الأديان{[62848]} فإياكم أن يميلكم عنه ميل من حسد أو غيره ، فبادروا إلى إجابته والزموا {[62849]}جميعاً حذره{[62850]} فلا تميلوا إلى بدعة أصلاً { يؤتكم } ثواباً على اتباعه{[62851]} { كفلين } أي نصيبين ضخمين{[62852]} { من رحمته } تحصيناً لكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع ، وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره على العجز ، وهذا التحصين{[62853]} لأجل إيمانكم به صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن تقدمه مع خفة العمل ورفع الأصار{[62854]} وهو أعلى{[62855]} بالأجر من الذي عمل الخير في الجاهلية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله{[62856]} عنه " أسلمت على ما أسلفت من خير " ودل على أن الكفلين برفع الدرجات وإفاضة خواص من الخيرات بقوله : { ويجعل لكم } أي مع ذلك { نوراً } مجازياً في الأولى بالتوفيق للعمل من المعلوم والمعارف القلبية وحسياً في الآخرة بسبب العمل { تمشون به } أي مجازاً في الأولى بالتوفيق للعمل ، وحقيقة في الآخرة بسبب العمل .
ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان ، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن ، قال : { ويغفر لكم } أي ما{[62857]} فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد . ولما قرر سبحانه وذلك ، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن{[62858]} يريده فقال : { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال{[62859]} والعظمة والكبرياء{[62860]} { غفور } أي بليغ المحو للذنب عيناً وأثراً { رحيم * } أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه .