تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

{ يأيها الذين ءامنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود الله فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا( 9 ) إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا( 10 ) هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا( 11 ) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا( 12 ) وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يردون إلا فرارا ( 13 )ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا( 14 ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا( 15 ) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا( 16 ) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا( 17 ) }

المفردات :

جنود : من قريش ومن تحزب معها في غزوة الأحزاب .

وجنودا لم تروها : الملائكة .

9

التفسير :

{ يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا }

ويذكر القرآن المسلمين بهذه المعركة الكبيرة فيقول : يا أيها الذين آمنوا بالله تعالى ، تذكروا نعمة الله عليكم وفضله حيث كف عنكم أعدائكم حيث جاءتكم جنود كثيرة ، تزيد على عشرة آلاف مقاتل فأرسل الله عليهم ريحا عاتية في ليلة شاتية باردة ، فخلعت خيامهم وكفأت قدورهم وألقت الملائكة الرعب في قلوبهم وقد فعل الله ذلك بالأعداء مكافأة لكم على اجتهادكم في حفر الخندق وطاعة الرسول وبذل النفس والنفيس دفاعا عن الإسلام ورسوله .

{ وجنودا لم تروها . . . . } أي : الملائكة .

{ وكان الله بما تعملون بصيرا } أي : مطلع وشاهد على أعمالكم وخبير بما في قلوبكم فيجازيكم عليه .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

جاءتكم جنود : الأحزاب ، وهم قريش وبنو أسد وغطفان وبنو عامر وبنو سليم ومن اليهود بنو النضير وبنو قريظة .

جنود لم تروها : الملائكة .

نزلت هذه الآيات إلى آخر الآية السابعة والعشرين في تفصيل غزوة الأحزاب ، أو غزوة الخندق .

كانت غزوة الأحزاب في شوّال سنة خمسٍ من الهجرة ، وكانت من أخطرِ الحوادث التي واجهها رسول الله والمسلمون ، في تقرير مصير الدعوة الإسلامية . وكانت معركةً حاسمة ومحنة ابتُلي المسلمون فيها ابتلاءً لم يبتلوا بمثله .

أما سببها فهو أنه خرج نفرٌ من بني النضير ، ونفر من بني وائل من اليهود ، فقدِموا على قريش في مكة . وهناك دعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا لهم : إنا سنكون معكم حتى نستأصلَه هو ومن معه . فسرّ ذلك قريشاً ، ونشِطوا لما دعوهم إليه . ثم خرج وفد اليهود فجاؤوا غطفان ودعوهم إلى حرب المسلمين . وطافوا في القبائل ، حتى تمت لهم اتفاقية عسكرية ، كانت قريش وغطفان من أهم أعضائها . فحشدت قريش أربعة آلاف مقاتل ، وغطفان ستة آلاف . وأُسندت قيادةُ الجيش إلى أبي سفيان ، وتعهد اليهود أن يدفعوا إلى غطفان كل تمرِ نخلِ خيبرَ لسنة واحدة .

ولما سمع رسول الله وأصحابه عن تجمُّع القبائل مع قريش لقتال المسلمين وزحفهم إلى المدينة ، تهيأ المسلمون للحرب ، وقرروا التحصنّ في المدينة والدفاع عنها ، وكان جيش المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل .

وفي هذه الأثناء أشار سلْمان الفارسيّ ، رضي الله عنه ، بحفر الخندق حول المدينة ، وكانت هذه خطةً حربية متّبعة عند الفرس ، فأمر الرسول الكريم بحفر الخندق في السهل الواقع شماليّ غرب المدينة ، وهو الجانب المكشوف الذي يُخاف منه اقتحام العدو . وقد قسم رسول الله الخندقَ بين أصحابه لكل عشرةٍ أربعين ذراعا ، وبلغ طول الخندق خمسة آلاف ذراع ( نحو أربعة كيلومترات ) ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة ، وعرضهُ من تسعة أذرع إلى ما فوقها .

وكان حده الشرقي طرفَ حَرّة واقِم ، وحده الغربي وادي بُطْحان حيث طرفُ الحرة الغربية ، حرة الوبرة .

وعمل السلمون في حفر الخندق بجدٍّ ونشاط ، وكان كلما عَرَضَ لهم مكان صعب فيه صخرة لجأوا إلى الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فيأخذ المِعولَ بيده ويضربها حتى تتفتت ، حتى أكملوه وتحصنوا وراءه .

وكان بين المسلمين وبني قريظة من اليهود معاهدةٌ ، فحملهم حُييّ بن أخطَب ، سيدُ بني النضير ، على نقض تلك المعاهدة . فنقضوها ، وتأهبوا لقتال المسلمين مع المشركين من قريش والعرب . وعظُم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وزاغت الأبصار ، وبلغت القلوبُ الحناجر .

وجاء أبو سفيان يقود ذلك الجيشَ الجرار وأحاطوا بالمدينة . وفوجئوا بالخندق ، فوقفوا من ورائه ، وقفز أحد أبطالهم وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري بحصانه فاجتاز الخندقَ وطلب المبارزة . فبرز له عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وقتله . ثم حصل بعضُ التراشق بالسهام ، ودام الحصار نحو شهر ، اشتد فيه البلاء . واستأذن بعض المنافقين في الذهاب إلى المدينة وقالوا : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } ، وكان الوقت شتاءً واشتد البرد وهبّت ريح عاتية فقلبت القدور وقوضت الخيام . فقام أبو سفيان وقال : يا معشر قريش ، إنكم واللهِ ما صبحتم بدار مقام ، وقد أخلفتنا بنو قريظة ، وبلغَنا عنهم الذي نَكره ، ولَقِينا من شدة الريح ما ترون ، فارتحِلوا فإني مرتحِل .

فانطلَقوا ، وأصبح الصباح فإذا القوم قد ارتحلوا . وانصرف المسلمون ووضعوا السلام وصدق الله العظيم : { يا أيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } ، { وَرَدَّ الله الذين كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى الله المؤمنين القتال وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً } .

ووضعت الحربُ أوزارها ، فلم ترجعْ قريش بعدَها إلى حرب المسلمين . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لن تَغزُوكم قريش بعد عامِكم هذا ، ولكنّكم تغزونهم » والقصةُ بطولِها في سيرة ابن هشام وفي صحيح مسلم ، وابن كثير .

واستُشهد من المسلمين يوم الخندق سبعة ، وقُتل من المشركين أربعة .