( سورة الضحى مكية ، وآياتها 11 آية ، نزلت بعد سورة الفجر )
وسورة الضحى بموضوعها وتعبيرها ومشاهدها ، لمسة من حنان ، ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع ، وتسكب الرضا والأمل ، إنها كلها خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم ، كلها نجاء له من ربه ، وتسرية وتسلية وترويح وتطمين .
ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ عليه جبريل عليه السلام ، فقال المشركين : إن إله محمد ودّعه وقلاه . عندئذ نزلت هذه السورة ، نزل هذا الفيض من الود والحب ، والرحمة والإيناس والقربى ، والطمأنينة واليقين .
والضّحى . أي : وحق الضحى ، وهو وقت ارتفاع الشمس ، والليل إذا سجى . أي : سكن ، والمراد سكون الناس والأصوات فيه . أقسم الله بالضحى الرائق الذي ينتشر فيه الضوء والنور وتخف فيه حدة الشمس ، وأقسم بالليل الساكن الهادئ ليربط بين القسم وجوابه وهو : ما ودّعك ربك وما قلى . ما تركك ربك ولا جفاك كما زعم المشركون ، وهو ربك وراعيك وكافلك . ولدار الآخرة خير لك من هذه الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك من الكمالات ، وظهور الأمر ، وبقاء الذكر ، ما يجعلك ترضى .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد
ويمضي سياق السورة يذكّر الرسول صلى الله عليه وسلم بنعم الله عليه : ألم يجدك يتيما فآوى . أي : فآواك إليه ، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب ، وهو على غير دينك .
ولقد كنت ضالا غير عالم بمعالم النبوة وأحكام الشريعة ، متحيرا لا تجد طريقا واضحا مطمئنا ، لا فيما عند أهل الجاهلية ، ولا فيما عند أتباع الأنبياء حيث إن هؤلاء الأتباع حرّفوا وبدّلوا ، ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك ، وعلمك أحكام الشريعة والرسالة ، ولقد كنت فقيرا فأغناك الله ، بكسبك ، وبمال خديجة ، وبما أفاء عليك من الربح في التجارة .
وبمناسبة ما ذكره الله من النعم ، يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم ، وإلى كفاية كل سائل ، وإلى التحدث بنعم الله التي لا تحصى ، فأما اليتيم فلا تقهر . أي : فلا تغلبه على ماله لضعفه فتسلبه إياه ، وأما السائل فلا تزجره . وأما بنعمة ربك فحدّث . وحدّث الناس بما عندك من علم ، بسبب إنعام الله عليك بالنبوة ، وكن هاديا دائما إلى طريق الفوز والفلاح .
والتحدث بالنعمة صورة من صور الشكر للمنعم ، يكملها البر بالعباد ، وهو المظهر العملي للشكر ، ولذلك يقول أبو حامد الغزالي : شكر النعمة هو استغلالها فيما خلقت له .
فشكر نعمة البصر : التأمل في ملكوت السماوات والأرض ، وغض البصر عن المحرمات .
وشكر نعمة السمع : سماع الحق والعلم والقرآن ، والامتناع عن سماع الزور والإثم .
وشكر نعمة اليد : أن تكتب بها العلم والحق ، وأن تساعد بها ، وأن تضرب بها في سبيل الله ، وأن تجاهد أعداء الدين ، وألا تؤذي بها أحدا من المستضعفين .
ونلاحظ أن البيئة العربية في الجاهلية كانت تجحد حق الضعيف ، وتهمل اليتيم والمسكين ، وترى أن السيف هو القوة القادرة ، وهو الحكومة المنفذة ، حتى جاء الإسلام بأحكامه العادلة ، وشريعته السمحة ، فدعا إلى الحق والعدل ، والتحرّج والتقوى ، والوقوف عند حدود الله الذي يحرس حدوده ويغار عليها ، ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق .
1- القسم بالضحى والليل على أن الله ما قلى رسوله وما تركه .
2- وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في مستقبل أمره خيرا من ماضيه .
3- تذكيره صلى الله عليه وسلم بنعمة الله عليه فيما مضى ، وأنه سبحانه سيواليها عليه .
{ والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودّعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالاّ فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدّث 11 }
والضحى : أقسم بوقت ارتفاع الشمس .
1 ، 2- والضحى* والليل إذا سجى .
أقسم بالضحى ، وهو وقت ارتفاع الشمس وانتشار الضوء ، وخروج الناس إلى أعمالهم ، وامتلاء الكون بنور الشمس قبل أن يشتد حرّها ، وقد شرعت صلاة الضحى شكرا لله على هذه النعمة .
قوله تعالى : " والضحى{[16129]} . والليل إذا سجى " قد تقدم القول في " الضحى " ، والمراد به النهار ؛ لقوله : " والليل إذا سجى " فقابله بالليل . وفي سورة ( الأعراف ) " أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون . أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون{[16130]} " [ الأعراف : 97 ] أي نهارا . وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق : أقسم بالضحى الذي كلم اللّه فيه موسى ، وبليلة المعراج . وقيل : هي الساعة التي خر فيها السحرة سجدا . بيانه قوله تعالى : " وأن يحشر الناس ضحى{[16131]} " [ طه : 59 ] . وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : فيه إضمار ، مجازه ورب الضحى . و " سجا " معناه : سكن . قاله قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة . يقال : ليلة ساجية أي ساكنة . ويقال للعين إذا سكن طرفها : ساجية . يقال : سجا الليل يسجو سجوا{[16132]} : إذا سكن . والبحر إذا سجا : سكن . قال الأعشى :
فما ذنبنا{[16133]} أن جاش بحرُ ابن عمكم *** وبحرك ساجٍ ما يواري الدعامِصا
يا حَبَّذَا القمراءُ والليل الساجْ *** وطُرُق مثلُ مِلاءِ النساجْ
ولقد رمينَك يوم رُحْنَ بأعينٍ *** ينظرن من خِلَل الستور سواجي
وقال الضحاك : " سجا " غطى كل شيء . قال الأصمعي : سجو الليل : تغطيته النهار ، مثلما يسجى الرجل بالثوب . وقال الحسن : غشى بظلامه . وقاله ابن عباس . وعنه : إذا ذهب . وعنه أيضا : إذا أظلم . وقال سعيد بن جبير : أقبل ، وروي عن قتادة أيضا . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : " سجا " استوى . والقول الأول أشهر في اللغة : " سجا " سكن ، أي سكن الناس فيه . كما يقال : نهار صائم ، وليل قائم . وقيل : سكونه استقرار ظلامه واستواؤه . ويقال : " والضحى . والليل إذا سجا " : يعني عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى ، وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم . ويقال : " الضحى " : يعني نور الجنة إذا تنور . " والليل إذا سجا " : يعني ظلمة الليل إذا أظلم . ويقال : " والضحى " : يعني النور الذي في قلوب العارفين كهيئة النهار . " والليل إذا سجا " : يعني السواد الذي في قلوب الكافرين كهيئة الليل ، فأقسم اللّه عز وجل بهذه الأشياء .
لما حكم في آخر الليل بإسعاد الأتقياء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أتقى الخلق مطلقاً ، وكان قد قطع عنه الوحي حيناً ابتلاء لمن شاء من عباده ، وكان به صلى الله عليه وسلم صلاح الدين والدنيا والآخرة ، وكان الملوان سبب صلاح معاش الخلق وكثير من معادهم ، أقسم سبحانه وتعالى بهما على أنه أسعد الخلائق دنيا وأخرى ، فقال مقدماً ما يناسب حال الأتقى الذي قصد به أبو بكر رضي الله عنه قصداً أولياً من النور الذي يملأ الأقطار ، ويمحو كل ظلام يرد عليه ويصل إليه ، مفهماً بما ذكر من وقت الضياء الناصع حالة أول النهار وآخر الليل التي هي ظلمة ملتف بساقها ساق النهار عند الإسفار : { والضحى * } فذكر ما هو أشرف النهار وألطفه وهو زهرته ، وأضوأه وهو صدره ، وذلك وقت ارتفاع الشمس لأن المقسم لأجله أشرف الخلائق ، وذلك يدل على أنه يبلغ من الشرف ما لا يبلغه أحد من الخلق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.