تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلضُّحَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الضحى

أهداف سورة الضحى

( سورة الضحى مكية ، وآياتها 11 آية ، نزلت بعد سورة الفجر )

وسورة الضحى بموضوعها وتعبيرها ومشاهدها ، لمسة من حنان ، ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع ، وتسكب الرضا والأمل ، إنها كلها خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم ، كلها نجاء له من ربه ، وتسرية وتسلية وترويح وتطمين .

ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ عليه جبريل عليه السلام ، فقال المشركين : إن إله محمد ودّعه وقلاه . عندئذ نزلت هذه السورة ، نزل هذا الفيض من الود والحب ، والرحمة والإيناس والقربى ، والطمأنينة واليقين .

والضّحى . أي : وحق الضحى ، وهو وقت ارتفاع الشمس ، والليل إذا سجى . أي : سكن ، والمراد سكون الناس والأصوات فيه . أقسم الله بالضحى الرائق الذي ينتشر فيه الضوء والنور وتخف فيه حدة الشمس ، وأقسم بالليل الساكن الهادئ ليربط بين القسم وجوابه وهو : ما ودّعك ربك وما قلى . ما تركك ربك ولا جفاك كما زعم المشركون ، وهو ربك وراعيك وكافلك . ولدار الآخرة خير لك من هذه الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك من الكمالات ، وظهور الأمر ، وبقاء الذكر ، ما يجعلك ترضى .

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد

ويمضي سياق السورة يذكّر الرسول صلى الله عليه وسلم بنعم الله عليه : ألم يجدك يتيما فآوى . أي : فآواك إليه ، وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب ، وهو على غير دينك .

ولقد كنت ضالا غير عالم بمعالم النبوة وأحكام الشريعة ، متحيرا لا تجد طريقا واضحا مطمئنا ، لا فيما عند أهل الجاهلية ، ولا فيما عند أتباع الأنبياء حيث إن هؤلاء الأتباع حرّفوا وبدّلوا ، ثم هداك الله بالأمر الذي أوحى به إليك ، وعلمك أحكام الشريعة والرسالة ، ولقد كنت فقيرا فأغناك الله ، بكسبك ، وبمال خديجة ، وبما أفاء عليك من الربح في التجارة .

وبمناسبة ما ذكره الله من النعم ، يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم ، وإلى كفاية كل سائل ، وإلى التحدث بنعم الله التي لا تحصى ، فأما اليتيم فلا تقهر . أي : فلا تغلبه على ماله لضعفه فتسلبه إياه ، وأما السائل فلا تزجره . وأما بنعمة ربك فحدّث . وحدّث الناس بما عندك من علم ، بسبب إنعام الله عليك بالنبوة ، وكن هاديا دائما إلى طريق الفوز والفلاح .

والتحدث بالنعمة صورة من صور الشكر للمنعم ، يكملها البر بالعباد ، وهو المظهر العملي للشكر ، ولذلك يقول أبو حامد الغزالي : شكر النعمة هو استغلالها فيما خلقت له .

فشكر نعمة البصر : التأمل في ملكوت السماوات والأرض ، وغض البصر عن المحرمات .

وشكر نعمة السمع : سماع الحق والعلم والقرآن ، والامتناع عن سماع الزور والإثم .

وشكر نعمة اليد : أن تكتب بها العلم والحق ، وأن تساعد بها ، وأن تضرب بها في سبيل الله ، وأن تجاهد أعداء الدين ، وألا تؤذي بها أحدا من المستضعفين .

ونلاحظ أن البيئة العربية في الجاهلية كانت تجحد حق الضعيف ، وتهمل اليتيم والمسكين ، وترى أن السيف هو القوة القادرة ، وهو الحكومة المنفذة ، حتى جاء الإسلام بأحكامه العادلة ، وشريعته السمحة ، فدعا إلى الحق والعدل ، والتحرّج والتقوى ، والوقوف عند حدود الله الذي يحرس حدوده ويغار عليها ، ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق .

مقاصد سورة الضحى

1- القسم بالضحى والليل على أن الله ما قلى رسوله وما تركه .

2- وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون في مستقبل أمره خيرا من ماضيه .

3- تذكيره صلى الله عليه وسلم بنعمة الله عليه فيما مضى ، وأنه سبحانه سيواليها عليه .

4- طلب الشكر منه على هذه النعم .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والضحى 1 والليل إذا سجى 2 ما ودّعك ربك وما قلى 3 وللآخرة خير لك من الأولى 4 ولسوف يعطيك ربك فترضى 5 ألم يجدك يتيما فآوى 6 ووجدك ضالاّ فهدى 7 ووجدك عائلا فأغنى 8 فأما اليتيم فلا تقهر 9 وأما السائل فلا تنهر 10 وأما بنعمة ربك فحدّث 11 }

المفردات :

والضحى : أقسم بوقت ارتفاع الشمس .

التفسير :

1 ، 2- والضحى* والليل إذا سجى .

أقسم بالضحى ، وهو وقت ارتفاع الشمس وانتشار الضوء ، وخروج الناس إلى أعمالهم ، وامتلاء الكون بنور الشمس قبل أن يشتد حرّها ، وقد شرعت صلاة الضحى شكرا لله على هذه النعمة .