الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلضُّحَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي مائة واثنان وسبعون حرفاً ، وأربعون كلمة ، وإحدى عشرة آية

أخبرني محمد بن القاسم الفقيه قال : حدّثنا محمد بن يزيد المعدّل قال : حدّثنا أبو يحيى البزاز قال : حدّثنا محمد بن منصور قال : حدّثنا محمد بن عمران بن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : حدّثنا أبي ، عن مخالد بن عبدالواحد ، عن الحجاج بن عبدالله ، عن أبي الخليل ، عن علي ابن زيد ، وعطاء بن أبي ميمونة ، عن زر بن حبيش ، عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ سورة والضحى ، كان فيمن يرضاه الله عزّ وجلّ لمحمد أن يشفع له ، وعشر حسنات يكتبها الله له بعدد كل يتيم ) .

{ وَالضُّحَى } قال المفسّرون : " سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح ، فقال : سأخبركم غداً ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي " .

وقال زيد بن أسلم : " كان سبب احتباس جبرائيل ( عليه السلام ) كون جرو في بيته ، فلمّا نزل عليه جبرائيل عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه ، فقال : يا محمد أما علمت أنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة "

واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه ، فقال ابن حريج : اثني عشر يوماً ، وقال ابن عباس : خمسة عشر يوماً ، وقيل : خمسة وعشرين يوماً ، وقال مقاتل : أربعين يوماً . قالوا : فقال المشركون : إنّ محمداً ودعّه ربّه وقلاه ، ولو كان أمره من الله لتتابع عليه كما كان يفعل بمن قبله من الأنبياء . " وقال المسلمون : يا رسول الله أما ينزل عليك الوحي ؟ فقال : " وكيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلّمون أظفاركم " ، فأنزل الله سبحانه جبرائيل ( عليه السلام ) بهذه السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا جبرائيل ما جئت حتى اشتقت إليك " ، فقال جبرائيل ( عليه السلام ) : وأنا كنت إليك أشدّ شوقاً ولكني عبد مأمور وما ننزل إلاّ بأمر ربّك " .

أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عفان قال : حدّثنا أبو أُسامة ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، أنه سمع جندب بن سفيان يقول : " رمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر في إصبعه ، فقال :

" هل أنتِ إلاّ إصبع دميتِ * وفي سبيل الله مالقيتِ "

فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم [ الليل ] ، فقالت له امرأة : يا محمد ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ليال . وقيل : إنّ المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب ، فأنزل الله سبحانه { وَالضُّحَى } " يعني النهار كلّه ، دليله قوله { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } فقابله بالليل ، نظيره قوله

{ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 98 ] أي نهاراً ، وقال قتادة ومقاتل : يعني وقت الضحى ، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس ، واعتدال النهار من الحر والبرد في الشتاء والصيف ، وقيل : هي الساعة التي كلّم الله فيها موسى ، وقيل : هي الساعة التي أُلقي السحرة فيها سجّدا ، بيانه قوله سبحانه :

{ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : بإضمار الربّ مجازه : وربّ الضحى .