فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلضُّحَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الضحى

هي إحدى عشرة آية وهي مكية بلا خلاف قال ابن عباس نزلت بمكة ، وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق أبي الحسن المقري قال : " سمعت عكرمة ابن سليمان يقول قرأت على إسماعيل بن قسطنطين . فلما بلغت { والضحى } قال كبر حتى تختم ، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك وأخبره ابن عباس أن أبيّ بن كعب أخبره بذلك ، وأخبره أبيّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره بذلك " وأبو الحسن المقري المذكور هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقري .

قال ابن كثير فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن المقري وكان إماما في القراآت ، وأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي وقال لا أحدث عنه ، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال هو منكر الحديث .

قال ابن كثير ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته فقال بعضهم يكبر من آخر الليل إذا يغشى ، وقال آخرون من آخر الضحى وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول الله أكبر ويقتصر ، ومنهم من يقول الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر .

وذكروا في مناسبة التكبير من أول الضحى أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفتر تلك المدة ثم جاء الملك فأوحى إليه { والضحى } كبر فرحا وسرورا ، ولم يرووا ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جندب البجلي قال : " اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثة فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فلم يقربك ليلتين أو ثلاثة فأنزل الله والضحى " {[1]} .

وعن جندب قال : " أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { ما ودعك } وعنه قال : " احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت بعض بنات عمه ما أرى صاحبك إلا قد قلاك ، فنزلت { والضحى } {[2]} " وقيل في سبب نزولها غير ذلك وما ذكرنا هو الأولى .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والضحى } المراد بالضحى هنا النهار كله لقوله { والليل إذا سجى } فلما قابل الضحى بالليل دل على أن المراد به النهار كله لا بعضه ، وهو في الأصل اسم لوقت ارتفاع الشمس كما تقدم في قوله { والشمس وضحاها } وعلى هذا يكون في الكلام مجاز من إطلاق اسم الجزء وإرادة الكل ، والظاهر أن المراد به الضحى من غير تعيين ، وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق أن المراد به الضحى الذي كلم الله فيه موسى والمراد بقوله الآتي { والليل إذا سجى } ليلة المعراج .

وقيل المراد بالضحى هو الساعة التي خر فيها السحرة سجدا كما في قوله { وأن يحشر الناس ضحى } وقيل المقسم به مضاف مقدر كما تقدم في نظائره أي ورب الضحى وقيل تقديره وضحاوة الضحى ، ولا وجه لهذا فللّه سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه . وقيل الضحى نور الجنة والليل ظلمة النار ، وقيل الضحى نور قلوب العارفين ، والليل سواد قلوب الكافرين ، والأول أولى .

وقدم هنا الضحى ، على الليل ، وفي السورة قبلها قدم الليل لأن لكل منهما أثرا في صلاح العالم ولليل فضيلة السبق ، وللنهار فضيلة النور ، فقدم هذا تارة وهذا أخرى ، أو أنه قدم الليل في سورة أبي بكر لأن أبا بكر سبق له كفر ، وقدم الضحى في سورة محمد لأنه نور محض ولم يتقدمه ذنب ، ولم يفصل بين السورتين إشارة إلى أنه لا واسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر .

قلت هذه الأقوال من قبيل لطائف النكات وليس من تفسير كتاب الله في شيء .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[2]:- أين هذا الحديث: من رواه؟ من أخرجه؟ لم نجده في أي كتاب لدينا.