فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱلضُّحَىٰ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الضحى

هي إحدى عشرة آية وهي مكية بلا خلاف . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس : نزلت { والضحى } بمكة . وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق أبي الحسن المقري قال : سمعت عكرمة بن سليمان يقول : «قرأت على إسماعيل بن قسطيطين ، فلما بلغت والضحى قال : كبر حتى تختم ، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك . وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك . وأخبره ابن عباس أن أبيّ بن كعب أمره بذلك . وأخبره أبيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك » . وأبو الحسن المقري المذكور هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقري . قال ابن كثير : فهذه سنة تفرّد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي من ولد القاسم بن أبي بزة ، وكان إماماً في القراءات . وأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي وقال : لا أخذت عنه ، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال : هو منكر الحديث . قال ابن كثير : ثم اختلف القرّاء في موضع هذا التكبير وكيفيته ، فقال بعضهم : يكبر من آخر «الليل إذا يغشى » ، وقال آخرون : من آخر الضحى . وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول الله أكبر ويقتصر ، ومنهم من يقول الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر . وذكروا في مناسبة التكبير من أول الضحى أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدّة ، ثم جاء الملك ، فأوحى إليه { والضحى * والليل إذا سجى } السورة كبر فرحاً وسروراً ، ولم يرووا ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف . وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جندب البجلي قال : «اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً ، فأتته امرأة فقالت : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك لم يقربك ليلتين أو ثلاثاً ، فأنزل الله { والضحى * والليل إذا سجى * ما ودّعك ربك وما قلى } » وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وسعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن جندب قال : أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال المشركون : قد ودّع محمد ، فنزلت { ما ودّعك ربك وما قلى } وأخرج الطبراني عن جندب قال : احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت بعض بنات عمه : ما أرى صاحبك إلا قد قلاك ، فنزلت { والضحى } . وأخرجه الترمذي وصححه وابن أبي حاتم عن جندب ، وفيه ، فقالت له امرأة : ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزلت { والضحى } .

والمراد بالضحى هنا النهار كله ، لقوله : { والليل إِذَا سجى } فلما قابل الضحى بالليل دلّ على أن المراد به النهار كله لا بعضه . وهو في الأصل اسم لوقت ارتفاع الشمس كما تقدّم في قوله : { والشمس وضحاها } [ الشمس : 1 ] . والظاهر أن المراد به الضحى من غير تعيين . وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق : إن المراد به الضحى الذي كلم الله فيه موسى .