تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

{ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا }

المفردات :

يمسك : يحفظ .

أن تزولا : أن تنهدا وتضمحلا .

التفسير :

إن القدرة بيد الله والعزة لله جميعا وهو وحده الخالق الرازق قيوم السموات والأرض خلقهما الله على غير مثال سابق وهو سبحانه يمسك نظام الكون ويحفظه ، ويرفع السماء بلا عمد ويبسط الأرض ويحفظ السماء والأرض من الفناء أو الزوال والتلاشي ولئن أشرفنا على الفناء أو الزوال ما أمسكهما من أحد بعد الله كائنا من كان أو بعد زوالهما حين تشاء القدرة ذالك فتبدل الأرض غير الأرض والسموات حين تنتهي الحياة فتنشق السماء على غلظها وتستجيب لخالقها وتتمدد الأرض ويشتد زلزالها وتخرج الأثقال من باطنها استجابة لأمر الله .

قال تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار . ( إبراهيم : 48 ) .

{ إنه كان حليما غفورا } فهو واسع الحلم على العصاة والكفار حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وهو واسع المغفرة يتوب على التائبين ويقبل من أناب إليه ويمهل العصاة إلى حين .

قال تعالى : وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى . طه : 82 ) .

جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله نه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " . xx

***

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يُمۡسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورٗا} (41)

قوله تعالى : " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا " لما بين أن آلهتهم لا تقدر على خلق شيء من السموات والأرض بين أن خالقهما وممسكهما هو الله ، فلا يوجد حادث إلا بإيجاده ، ولا يبقى إلا ببقائه . و " أن " في موضع نصب بمعنى كراهة أن تزولا ، أو لئلا تزولا ، أو يحمل على المعنى ؛ لأن المعنى أن الله يمنع السموات والأرض أن تزولا ، فلا حاجة على هذا إلى إضمار ، وهذا قول الزجاج . " ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا " قال الفراء : أي ولو زالتا ما أمسكهما من أحد . و " إن " بمعنى ما . قال : وهو مثل قوله : " ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون " {[13173]} [ الروم : 51 ] . وقيل : المراد زوالهما يوم القيامة . وعن إبراهيم قال : دخل رجل من أصحاب ابن مسعود إلى كعب الأحبار يتعلم منه العلم ، فلما رجع قال له ابن مسعود : ما الذي أصبت من كعب ؟ قال سمعت كعبا يقول : إن السماء تدور على قطب مثل قطب الرحى ، في عمود على منكب ملك . فقال له عبد الله : وددت أنك انقلبت براحلتك ورحلها ، كذب كعب ، ما ترك يهوديته ! إن الله تعالى يقول : " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا " إن السموات لا تدور ، ولو كانت تدور لكانت قد زالت . وعن ابن عباس نحوه ، وأنه قال لرجل مقبل من الشام : من لقيت به ؟ قال كعبا . قال : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول : إن السموات على منكب ملك . فال : كذب كعب ، أما ترك يهوديته بعد ! إن الله تعالى يقول : " إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا " والسموات سبع والأرضون سبع ، ولكن لما ذكرهما أجراهما مجرى شيئين ، فعادت الكناية إليهما ، وهو كقوله تعالى : " أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " {[13174]} [ الأنبياء : 30 ] ثم ختم الآية بقوله : " إنه كان حليما غفورا " لأن المعنى فيما ذكره بعض أهل التأويل : أن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا من كفر الكافرين ، وقولهم اتخذ الله ولدا . قال الكلبي : لما قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ، كادت السموات والأرض أن تزولا عن أمكنتهما ، فمنعهما الله ، وأنزل هذه الآية فيه ، وهو كقوله تعالى : " لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه " {[13175]} [ مريم :90 ] الآية .


[13173]:راجع ص 45 من هذا الجزء.
[13174]:راجع ج 11 ص 282.
[13175]:راجع ج 11 ص 155.