تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

21

المفردات :

مشفقين : خائفين خوفا شديدا من العذاب .

وهو واقع بهم : والعذاب واقع بهم لا محالة .

روضات الجنات : أطيب بقاعها وأعلى منازلها وأنزهها .

التفسير :

22- { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير } .

في يوم القيامة ترى أمرين مختلفين :

( أ ) الظالمون خائفون مشفقون من أعمالهم التي عملوها ، إنها غول يطاردهم يوم القيامة ، فطالما استمتعوا بالمعاصي وتلذذوا بالموبقات ، وهي الآن شيء فظيع يطاردهم وهم خائفون من عقاب خطاياهم ، وسيقع العذاب بهم خافوا أم صبروا .

( ب ) المؤمنون في أعلى منازل الجنة وروضاتها يتمتعون بالثمار والأشجار ، وعزف الأوتار ، وضيافة الجبار ، ولهم ما يشاءون عند ربهم ، حيث يكرمهم ويلبي رغباتهم ، وهذا هو الفضل الكبير الذي يكافئ الله به المؤمنين ، حيث يحل عليهم رضوان الله فلا يسخط عليهم أبدا ، وحيث يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم كما ورد في صحيح مسلم .

وروى الشيخان ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا )8 ( متفق عليه ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

وفي ذلك اليوم { تَرَى الظَّالِمِينَ } أنفسهم بالكفر والمعاصي { مُشْفِقِينَ } أي : خائفين وجلين { مِمَّا كَسَبُوا } أن يعاقبوا عليه .

ولما كان الخائف قد يقع به ما أشفق منه وخافه ، وقد لا يقع ، أخبر أنه { وَاقِعٌ بِهِمْ } العقاب الذي خافوه ، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب ، من غير معارض ، من توبة ولا غيرها ، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال .

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به ، { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يشمل كل عمل صالح من أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فهؤلاء { فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ } أي : الروضات المضافة إلى الجنات ، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه ، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة ، وما فيها من الأنهارالمتدفقة ، والفياض المعشبة ، والمناظر الحسنة ، والأشجار المثمرة ، والطيور المغردة ، والأصوات الشجية المطربة ، والاجتماع بكل حبيب ، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب ، رياض لا تزداد على طول المدى إلا حسنا وبهاء ، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقا إلى لذاتها وودادا ، { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ } فيها ، أي : في الجنات ، فمهما أرادوا فهو حاصل ، ومهما طلبوا حصل ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى ، والتنعم بقربه في دار كرامته ؟

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

قوله : { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا } { مُشْفِقِينَ } منصوب على الحال من الظالمين ؛ لأن { تَرَى } ، هنا من رؤية العين لا القلب{[4099]} . وذلك وصف لحال الخاسرين يوم القيامة ؛ إذ يغشى قلوبهم الخوف والذعر جزاء كفرهم وعصيانهم .

والمعنى : ترى الكافرين المكذبين يوم القيامة يا محمد خائفين وجلين من عذاب الله بسبب كفرهم وعصيانهم في الدنيا { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } وما يخشونه من العذاب نازل بهم ليصلوه لا محالة .

قوله : { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ } المؤمنون المطيعون لله ، المذعنون لجلاله بالخضوع ، يقيمون في روضات الجنات فيهنئون فيها ويتنعَّمون . وروضات الجنات جمع روضة وهي الموضع الذي يكثر فيه النبات والخضرة { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } لهم في الجنة ما تشتهيه أنفسهم وتلذُّ به أعينهم من الطيبات والنعم .

قوله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } الإشارة عائدة إلى ما ذكر من التنعم والتلذذ والسرور في روضات الجنات . وذلك هو الفضل من الله وقد وصفه بأنه كبير ؛ لأنه في غاية الكمال من النعمة ؛ إذ لا يعْدِله فضل ولا تساويه نعمة من نعم الدنيا . {[4100]}


[4099]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 347.
[4100]:فتح القدير ج 4 ص 533 وتفسير الرازي ج 27 ص 146 والكشاف ج 3 ص 464.